باريس ــ بسّام الطيارةخاص بالموقع - خطب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمام ١٨٠ سفيراً في المؤتمر الثامن عشر للسفراء المعتمدين في الخارج، الذي بات تقليداً في الدبلوماسية الفرنسية وبمثابة «رسم خطط عمل السنة التالية».
ويأتي المؤتمر بعد أشهر من عاصفة هبت على الكي دورسيه، الذي كان «معقل صناعة سياسة باريس الخارجية قبل أن يصادر فريق عمل ساركوزي في الإليزيه إدارة الأزمات، وهو ما نبّه له العديدون، منهم قبل شهر ألان جوبيه وهوبرت فيدرين من وزراء الخارجية الذين تركوا بصماتهم على الدبلوماسية الفرنسية، وأخيراً رسالة مفتوحة موقّعة من عشرة مديرين عامين للخارجية يحذّرون من تراجع قوة عمل هذه الوزارة في عصر العولمة وتصاعد قوى جديدة.
بالطبع، فإن خطاب الرئيس ساركوزي تمحور حول مجموعة العشرين ومجموعة الثمانية التي تترأسها فرنسا، ابتداءً من تشرين الثاني المقبل وتحضير القمتين في نهاية السنة المقبلة، إلا أن هذا لم يمنع من الغرف في توجيهات السياسة الدولية ووضع النقاط على حروف ما حصل وما يمكن أن يحصل.
وفي سياق القمتين المرتقبتين، كشف ساركوزي عن أن فرنسا ستطلب من دول مجموعة العشرين دراسة وسائل لكبح التقلبات الحادة في أسعار العملات والسلع الاولية، وأعلن تمسك باريس بـ«فكرة فرض ضريبة على الصفقات المالية»، وهو ما سوف تطرحه عندما تتولى رئاسة المجموعة.
ودعا إلى التعاون مع الصين في دراسة أسعار الصرف وتساءل «كيف يمكننا مناقشة هذه الأسعار من دون الصين؟»، ووصف الأمر بأنه «خطير». ثم تطرق إلى أسعار السلع الأولية وقال إن لها آثاراً سلبية، وينبغي على دول مجموعة العشرين أن تعمل على تنظيم المشتقات المالية للسلع بنفس المقدار الذي تسعى إليه في أسواق المشتقات المالية الأخرى، وأضاف بأنها أفضل السبل لتقيد المضاربات.
أما في الشأن اللبناني، فقد نبه ساركوزي من احتمال غرق بلاد الأرز مجدداً في دورة عنف «في حين أن في المنطقة أملاً لاتفاق سلام». وأضاف إن «هدفه مع المجتمع الدولي هو فقط استقرار لبنان». وتابع إنه «سعد بالزيارة الثنائية للملك عبد الله والرئيس بشار الأسد». وأضاف بأن مهمة اليونيفيل هي استقرار لبنان وهذا ما «يجب أن يحترمه جيران لبنان» من دون أن يفسر ما إذا كان يقصد إسرائيل التي تخرق القرار ١٧٠١ يومياً أو غيرها من دول الجوار.
ورأى ساركوزي أن من الممكن التوصل الى اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل خلال سنة، وأن «آمالاً كبيرة معلقة» على المفاوضات المباشرة التي ستنطلق في واشنطن في الثاني من أيلول، مضيفاً إنها «مسألة إرادة وتصميم»، مكرراً ثوابت السلام «التي يعرفها الجميع». ونوّه بأن «إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وديموقراطية على أساس حدود ٦٧ هي حق للفلسطينيين، وفي الوقت نفسه الضمانة الأمثل لإسرائيل، لتحقيق الأمن وللاندماج الكامل مع المنطقة بما يتماشى مع مبادرة السلام العربية». وأعاد التذكير بأن باريس تقترح «استقبال مؤتمر ثان لمساعدة الشعب الفلسطيني»، وذلك لتمويل إعادة بناء الاقتصاد ومؤسسات الدولة المقبلة»، معتبراً أن«هذا هو السبيل الوحيد لكبح التطرف وإعادة الثقة بالمستقبل وهو يصبّ في مصلحة الشعبين».
أما بالنسبة إلى ملف إيران النووي، فقد رحب الرئيس الفرنسي بـ«تشغيل محطة بوشهر التي تحصل وستحصل على الوقود بصورة تامة من روسيا.» وأضاف «المشكلة ليست هنا، المشكلة في مكان آخر»، وإن المخاوف المرتبطة ببرنامج إيران النووي لا علاقة لها بالمحطة النووية التي بدأ تشغيلها السبت بمساعدة روسيا، وحذّر من خطر انتشار السلاح النووي في المنطقة في حال مواصلة إيران برنامج تخصيب اليورانيوم.
وأوضح بأن النتائج يمكن أن تكون إما «انتشار السلاح النووي في المنطقة أو التدخل العسكري»، واصفاً الأمر في كل الأحوال بـ«الأزمة السياسية الدولية العظمى»، قبل أن يدعو مختلف الدول الى تفعيل العقوبات ضد إيران، مبرراً ذلك بأن على «إيران أن تدرك أن خياراتها لها ثمن مرتفع ومتنام، وأن هناك خياراً اسمه الدخول في مفاوضات ملموسة وجدية تعالج لبّ المسألة». ورأى أن الاجتماع الذي سيعقد في أيلول في فيينا، برعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن تزويد مفاعل طهران السلمي باليورانيوم سيتيح تحديد مدى استعداد إيران لذلك.
وفي هذا السياق، كشف مصدر مقرب من الملف لـ«الأخبار» أن «باريس لا يزال لديها شكوك في جدية لقاء فيينا المقبل»، مشيراً إلى أن عدم الوصول إلى اتفاق جدي سوف يزيد من عزلة إيران، وهو ما أكده ساركوزي بنفسه، مضيفاً بشكل تحذير من أنه «أمام أي تهديد يمكن أن يلوح، ينبغي تنظيم صفوفنا لحماية الدول التي تشعر بالتهديد والدفاع عنها».
وتطرق ساركوزي إلى «استراتيجية محاربة الإرهاب في العالم» ووصفها بأنها لا تزال أساس السياسة الفرنسية. وقال إن «قدرة القاعدة على شن هجمات على الغرب تضاءلت». إلا أنه أضاف إنها ازدادت نشاطاً في باكستان وفي الصحراء الكبرى على حدود مالي والجزائر، وفي قدرتها التنسيقية بما وصفه بقوس الأزمات «الممتد من أفغانستان إلى الساحل الأفريقي، مروراً بباكستان واليمن والصومال». وأضاف بأن القوات الفرنسية سوف تبقى في أفغانستان لأن الانسحاب يعني «أننا تخلّينا عن هذا البلد».