نيويورك ـ نزار عبودتواجه الولايات المتحدة مأزقا كبيراً في الانسحاب من العراق من دون أن تترك لإيران فرصة توسيع نفوذها في المنطقة على نحو كبير. وقد يتعيّن على واشنطن التفاوض مع إيران على شروط «مذلّة» أو الدخول معها في مواجهة عسكرية مستبعدة، غير مضمونة الحدود والنتائج، كما يُجمع الأميركيون. حرب تأتي في وقت تودّ فيه الإدارة الأميركية تخفيف اشتباكاتها الخاسرة في العراق وأفغانستان، وعدم المقامرة بحرب أخرى مع دولة إسلامية من المرجّح أن تكون أعتى وأشد، وقد تجرّ العالم إلى عواقب لم يحسب لها حساب. فما الذي يمكن أن يحدث في العراق وجواره بانتظار أن تتبلور استراتيجية أميركية جديدة للمنطقة؟
يقول المحلل الأميركي جورج فريدمان، في معرض مراجعته للوضع في العراق، إن انسحاب الولايات المتحدة من دون ترتيبات معينة مع إيران غير ممكن، لأنه «سيمنح إيران دوراً استراتيجياً بالغ القوة في المنطقة».
وفي المقابل، فإن استراتيجية إيران تقوم على جعل البقاء في العراق غير محتمل بالنسبة إلى واشنطن، إلى الحدّ الذي ستفضّل معه الرحيل، «لكنها لن تجعله مهدداً للولايات المتحدة إلى حدّ يثنيها عن مواصلة الانسحاب. استراتيجية ذكية لا تخفي حقيقة أن إيران ستسيطر على الخليج الفارسي بعد الانسحاب».
ويوضح فريدمان في تحليل له على موقع «ستارفور» أن الولايات المتحدة لا تملك سوى خيارات غير سارة في العراق. فإما أن تبقى إلى ما لا نهاية وتبقى قواتها عرضة للهجمات الاستنزافية، وإما الانسحاب وتسليم المنطقة لإيران.
ولفت إلى أنه سواء لجأت الولايات المتحدة إلى مهاجمة مواقع إيران النووية، أو لم تهاجمها، فإن إيران ستبقى في كلتا الحالتين تمتلك زمام المبادرة في العراق، لأنها إن أبقت على عشرات آلاف الجنود في العراق فإن إيران ستكون قادرة على تصعيد العنف ضدهم بما يفرض على الأميركيين الرد بالمثل، وربما تعزيز وجودهم العسكري في البلاد مجدداً والدخول في حروب طويلة يفرون منها.
ونسب المحلل إلى مسؤولين أميركيين وعراقيين قولهم علانية إن سبب عدم تأليف حكومة عراقية حتى الآن يعود إلى النفوذ الإيراني القادر على تعطيل التأليف، لكنه لا يستطيع تأليف حكومة بمفرده.
وسيأتي الخطر حسب رأيه من سيطرة ميليشيات شيعية على المناطق السنّية في العراق عندما يتضاءل عدد القوات الأميركية كثيراً في المستقبل القريب. عندها لا بد من وجود جيوش نظامية تحت سيطرة حكومة مركزية موحدة من أجل ضبط الأوضاع. ولا يمكن تحقيق الحكم الوفاقي من دون دور إيراني فاعل في تأليفها. وإذا بقيت الأمور على حالها، فإن الرابح الحقيقي سيكون إيران، لأن عامل الزمن ليس في مصلحة خصومها. وحسب رأيه، فإن مشكلة الولايات المتحدة تكمن في عدم حدوث تبدّل في السياسة الإيرانية، بينما لا تستطيع واشنطن تقديم شيء يجعل إيران تغيّر سياستها.
وسخر فريدمان من نقل استراتيجية الجنرال ديفيد بترايوس الفاشلة في العراق إلى أفغانستان. وهي استراتيجية حالت دون قيام حكم قوي في العراق قادر على التصدي للضغوط الإقليمية وملء الفراغ الذي سيخلفه غياب المحتل الأميركي. أما الحل القائم على ضرورة مهاجمة إيران عسكرياً، وفقاً لما يفضّله بعض أركان الإدارة الأميركية، فيرى فريدمان أنه لم يعد مطروحاً بتاتاً، لأن لدى إيران كتلة بشرية كبيرة تزيد على 70 مليون نسمة، ولأن القصف الجوي برهن عن عقمه في التجارب التاريخية السابقة ما لم يرفق بهجوم بري واسع غير متاح حالياً، ولا سيما بالنسبة إلى دولة بحجم إيران. وحتى «لو هاجم الإسرائيليون منشآت إيران النووية، فإن إيران تستطيع أن تفسد عليهم وضعهم في العراق».
ونفى فريدمان أي فائدة من بقاء قوات أميركية محدودة في العراق، لأن إيران ببساطة متربصة «ولن ترحل عن المنطقة ولا يكلّفها تخريب الوضع على الأميركيين الكثير»، بينما عودة نظام من طراز النظام السابق إلى العراق سيكلّفها ثمناًَ باهظاًَ.
أما فكرة الدخول في مفاوضات مع إيران، فوصفها فريدمان بأنها «قليلة الذوق من وجهة النظر الأميركية، لكنها ليست أقل ذوقاً من التفاوض مع ستالين أو ماو». وخلص إلى القول إن الإيرانيين سيطلبون جعل العراق على الطراز الفنلندي، عندما منح السوفيات نفوذاً غير رسمي على حكومة فنلندا، معرباً في الوقت نفسه عن اعتقاده بأن حجم النفوذ الإيراني المطلوب في العراق ما زال مجهولاً.