أنقر على الرسم البياني لتكبيره
ومن وقت الاتفاق على مسودة البرنامج، إذا حصل ذلك، وإلى أن تُنجز الانتخابات النيابية وتؤلف حكومة جديدة، فإن الاقتصاد خارج أي نقاش. ثمة وقت طويل لتسارع الانحدار. فمنذ منتصف كانون الأول الماضي، قرّر مصرف لبنان تثبيت سعر الصرف ضمن مستوى وسطي يبلغ 20 ألف ليرة. وفي سياق تدخّله في السوق، خسر مصرف لبنان من سيولته بالعملات الأجنبية ما قيمته 1.1 مليار دولار، وقلّص خسائره المؤجّلة المسجّلة في بند «الأصول الأخرى» أكثر من 3 آلاف مليار ليرة، وسحب من السوق 9 آلاف مليار ليرة.
عملياً يجفّف سلامة السوق من الليرات. كلفة السيولة بالليرة تبلغ 30% من قيمة أي شيك بالليرة، وفي وقت ما سيتوقف مصرف لبنان عن ضخّ الدولارات لأسباب محتملة أبرزها جفاف سيولته بالعملات الأجنبية، ما يعني أن السيطرة على سعر الصرف اليوم، يقابله ارتفاع كلفة الحصول على النقد وهذا بدوره سيرفع أسعار السلع والخدمات. ويضاف إلى ذلك، أن الأسعار ترتفع عالمياً. أي إن هواجس التضخّم المتسارع تعود مجدداً لتسيطر على توقعات السوق ليصبح النقاش على النحو الآتي: «أيهما يقود الانحدار: تدهور سعر الليرة، أم تضخّم الأسعار؟ من يغذّي الآخر؟ من يجب أن نوقف أولاً؟ تجربة الأشهر الأربعة الأخيرة أظهرت أن تثبيت سعر الصرف لم يوقف استمرار التضخّم. ومنذ الآن، هناك حفلة توقعات بأن سعر الدولار سيتسارع تصاعدياً بعد الانتخابات. وإذا كان مصرف لبنان بدّد جزءاً من سيولته لتثبيت سعر الصرف، خدمة لقوى السلطة وتثبيت شرعية استمراريتها، وبهدف المقايضة على ملفاته القضائية، فإن هذه الحفلة ستنتج عاجلاً أم آجلاً ارتفاعاً في سعر الصرف. أما إذا أصرّ مصرف لبنان على مواصلة التثبيت، فإنه سيستنزف سيولة أكثر وصولاً إلى نفادها والانتقال إلى مرحلة الـ«لا احتياطات». لكن إذا أوقف تدخلاته، فإن جفاف السيولة وتضخّم الأسعار سيتحوّلان إلى ضريبة هائلة على الأفراد والمؤسّسات. الأزمة ستصحح نفسها على شكل ضريبة تقلّص الطلب على الدولار، لكنها بمثابة مجزرة بحق الفقراء ومتوسطي الدخل. في ظل إدارة كهذه للأزمة، يمكن القول إن هذه السلطة، بكل أركانها السياسية والمالية، يمكنها أن تفرض على المقيمين في لبنان، تسديد ثمن التصحيح مرات ومرات بكل سهولة. دفعنا أثماناً كثيرة لتصحيح واحد!