ما كان شائعات متناثرة وهلعاً من إمكان حصوله بات واقعاً. دخلت قوات خليجية إلى البحرين تحت مظلة «درع الجزيرة»؛ أولى طلائعها سعودية، قوامها ما بين 1000 و1200 جندي، دخلت في وقت متأخر من ليل الأحد ولحقتها دفعة ثانية عصر أمس، قبل أن تتوإلى الإعلانات الخليجية عن إرسال القوات، الإمارات 500 شرطي، فالكويت 150 جندياً، إضافة إلى تمركز للمدرّعات على جسر الملك فهد. والعنوان «حفظ الأمن والاستقرار».
خطوة غير مسبوقة لدول مجلس التعاون، الذي يقرّ نظام أمنه الجماعي التصدي لـ«العدوان الخارجي» لا الاحتجاجات الداخلية لهذه الدول، أو حتى الشغب. وفي القراءة الإقليمية، يعدُّ الأمر تصعيداً خطيراً من المعسكر الخليجي بقيادة السعودية الداعمة للأسرة المالكة في معركتها الداخلية مع الغالبية الشيعية، التي تمثل العمود الفقري للمعارضة المعتصمة في الشارع منذ 14 شباط. وهذا يُنذر بحرب لن تكون محصورة بالساحة البحرينية، لأنّ «التدخّل السعودي يستدعي تدخلاً إيرانياً، ويعني أن طبول حرب إقليمية قد تُقرع»، على حدّ تعبير أحد زعماء المعارضة.
إذاً، شرعية التدخل كانت في إطار دول مجلس التعاون، وهذا يعني أنّه جاء بطلب من الحكومة البحرينية، بحسب ما أكد وزير الإعلام السعودي عبد العزيز خوجة عقب جلسة لمجلس الوزراء، قائلاً إن «دول مجلس التعاون الخليجي ستواجه بحزم كل من تسوّل له نفسه إثارة النعرات الطائفية أو بثّ الفرقة بين أبناء المجلس ودوله أو تهديد أمنه ومصالحه». وبحسب وكالة أنباء البحرين، وصلت أولى طلائع قوات «درع الجزيرة» المشتركة «نظراً إلى ما تشهده المملكة من أحداث مؤسفة تزعزع الأمن وتروّع المواطنين، وانطلاقاً من مبدأ وحدة المصير وترابط أمن دول مجلس التعاون»، على اعتبار أن «أمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ». وناشدت «المواطنين والمقيمين التعاون التام والترحيب بإخوانهم من قوات درع الجزيرة». وتعمل هذه القوات بإمرة القيادة البحرينية، وبموجب الاتفاقيات ضمن مجلس التعاون الخليجي، فإن «أي قوة خليجية تدخل إلى دولة من المجلس تنتقل قيادتها إلى الدولة نفسها».
ورغم أن مصادر أكدت أن القوّة ستعمل على حماية المنشآت العامة، إلا أن شهوداً تحدثوا عن توجه قوات سعودية إلى منطقة الرفاع، مقرّ الأسرة المالكة. وقالوا إنهم رأوا 150 ناقلة جند مدرعة و50 مركبة أخرى، بينها عربات إسعاف وصهاريج مياه وحافلات وسيارات جيب. وكانت المركبات ذات تسليح خفيف، ولم تكن هناك دبابات وراجمات صواريخ في القافلة، بينما أُقيمت خيم للإسعاف الأولي في ساحة انتظار السيارات في المستشفى العسكري الذي أُغلق أمام الجمهور.
وكانت الفرق السياسية الموالية للسلطة أول من استجاب لنداء «الترحيب بإخوانهم»، بل كانت كتلة المستقلين قد استبقتها بدعوة الملك إلى فرض الأحكام العرفية. لكن تجمع الوحدة الوطنية قال إنه لا يتمنى تطبيق الأحكام العرفية، وتفاءل بأن تخرج البلاد من أزمتها.
أما قوى المعارضة، بمختلف تياراتها، فعدّت الخطوة بمثابة إعلان حرب على شعب أعزل، ودعت إلى تدخل دولي. أحداث لا تجري بمعزل عن الشارع الذي بات يعيش حالة من الهلع والاشتباكات المتنقلة، حيث تسلّح الشعب بالسلاح الأبيض وألّف لجانه الأمنية الخاصة كي يدافع عن نفسه، بعدما فقد ثقته بدولته، متهماً إيّاها بإرسال بلطجية لذبحه، وسط توتر وشحن مذهبي لا مثيل له، رغم محاولة النخب السياسية إخفاءه.
وأصدرت ثماني جمعيات، بزعامة «الوفاق»، (وعد، المنبر التقدمي، الإخاء، التجمع القومي، التجمع الوطني، العمل الإسلامي، الائتلاف الوطني) نداءً رفعته إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قالت فيه إنه حين «خرجنا للمطالبة بحقوقنا بطريقة سلمية، ووجهت مطالبنا بحملات عنف ممنهج». وتابعت إن «التطور الأكثر خطورة هو التهديد الجاد من دخول قوات سعودية وخليجية أخرى لمواجهة شعب البحرين الأعزل»، وهذا يعني «شن جيش مسلّح حرباً على المواطنين من دون إعلان حرب». ورأى أن «دخول أي مجند أو آلية إلى إقليم البحرين البري والجوي والبحري احتلال سافر وتآمر على الشعب الأعزل». وأعلن الأمين العام لحركة «وعد» المعارضة، إبراهيم شريف، أنه سيجري التعامل مع الجيش الخليجي على أنه قوة محتلة.
في المقابل، يرتقب أن يعقد «التحالف من أجل الجمهورية» (حق، الوفاء، الأحرار)، مؤتمراً صحافياً اليوم، يعرض خلاله موقفه من دخول القوات الخليجية والبلطجة والحوار الوطني والتطورات الحاصلة. وقال الأمين العام لحركة «حق»، حسين مشيمع، لـ«الأخبار»، إن «هذا التدخل مرفوض وغير مبرر، والاتفاقية الأمنية تتحدث فقط عن عدوان خارجي». وبالتالي، فإن هذا ليس تعاوناً، بل «هو تعدٍّ على شعب البحرين والاستعانة بقوات خارجية ضدّ شعب أعزل».
وأشار مشيمع إلى أن العنوان الذي تتحرك في إطاره الدول الخليجية هو «حرب سنية شيعية»، لأن حكام الخليج يعمدون بذلك «إلى مساعدة الحكومة لأنها سنية ضدّ الشعب، فتبدو كأنها حرب على الشيعة، وهذه إشارة خطيرة قد تؤدي إلى مضاعفة التدخلات الأخرى» وتمهد لحرب ومواجهات. ومضى يدعو إلى تدخل دولي، بما فيه «الأميركي، فأميركا لديها الأسطول الخامس، وعليها أن تتدخل إذا رأت أن هناك حرب إبادة ضدّ الشيعة».
واتهم مشيمع النظام «بافتعال المشاكل وإعطاء البلطجية الضوء الخضر لضرب الأمن العام ومحاولة تصوير أن الوضع متوتر لاستدعاء تدخل خارجي، والوضع ليس هكذا». وعن تأليف شباب الاعتصام لجاناً أمنية، وحمل السلاح الأبيض، بحسب ما أكّد شهود لـ«الأخبار» للدفاع عن النفس وحماية الأحياء، قال مشيمع «علينا أن نحتاط لتكوين جماعات لخلق توازن رعب، لمنع هجمات البلطجية. وبذلك يمكن أن نأسر بعضهم، كما فعل الثوار في مصر، ونفضحهم أمام الرأي العام». وعن الحوار، قال إنه لا معنى له، وليس هناك أجواء للحوار. وبحسب تسلسل الأحداث والتناقضات الواقعة يبدو «كأنه تمهيد لضربة أمنية». وهذا كله يدفع قوى المعارضة إلى التوحد.
وتحدث مشيمع عن ثلاثة أسباب للتدخل الخليجي، الأول بسبب الروابط العائلية بين الأسر المالكة الخليجية، إذ إن «العقلية القبلية والبدوية ومنطق الجهل تدفعهم إلى حماية بعضهم بعضاً». والثاني، يتعلق بخطر انتقال عدوى الثورات إليهم، وقال إن «السعودية تخشى أن يكون هناك أيضاً تحرك في أراضيها». وأكّد أن السعودية قد تقبل بتعديلات بسيطة لا تضرّ بالحكم، لكنها لن تسمح بتغييرات واسعة. أما السبب الثالث فيتعلق بتلاقي المصالح الغربية الأميركية والدول الخليجية، حيث رأى الغرب أن مصلحته تقتضي حماية هذه الأنظمة. وفي أول موقف من واشنطن، دعا البيت الأبيض مجلس التعاون إلى احترام حقوق سكان البحرين. وقال المتحدث تومي فيتور: «نحضّ شركاءنا في مجلس التعاون الخليجي على ضبط النفس واحترام حقوق البحرينيّين والتحرك على نحو يدعم الحوار بدل تعطيله»، لكنه رأى أن دخول هذه القوات ليس غزواً.



«درع الجزيرة»

يضم مجلس التعاون الخليجي السعودية والإمارات والكويت وقطر وسلطنة عُمان والبحرين، وهي كل الدول التي تطل على الخليج العربي، باستثناء العراق واليمن. تأسّس في 1981 ويتخذ من الرياض مقرّاً له. أولى ثمار التعاون العسكري لدول مجلس التعاون كانت قوات «درع الجزيرة» العسكرية المشتركة، حيث قُرّر إنشاؤها في 1982، قبل تشكيلها في 1985 بعدد لا يتجاوز 5,000 جندي، قبل أن تتجاوز حالياً 30 ألف عسكري، بينهم نحو 21 ألف مقاتل. تتخذ هذه القوة من منطقة حفر الباطن القريبة من الحدود الكويتية ـــــ السعودية مقرّاً لها، ومهمتها حماية أمن الدول الأعضاء في مجلس التعاون من أي «عدوان خارجي».
أُرسلت مرّة إلى الكويت في حرب الخليج الثانية عام 1991 لصدّ الاجتياح العراقي، وفي 2003 إلى الكويت أيضاً للإسهام في مواجهة الأخطار قُبيل غزو العراق في 2003. وفي عام 2000 وقّعت دول مجلس التعاون اتفاقية الدفاع المشترك وأسست مجلس للدفاع المشترك.