صمت مطبق خيّم على لبنان أمس، وعلى كل القوى والمسؤولين، حيال الجريمة التي ارتكبتها سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة بقتل اللبناني غازي عز الدين تحت التعذيب ودفن جثمانه في مكان غير معلوم.وعلمت «الأخبار» أن تواصلاً غير معلن جرى بين بعض المسؤولين اللبنانيين، تحت ضغط مقربين من العائلة، وبعد ما نشرته «الأخبار» أمس، وطُلب من وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الاتصال بالحكومة الإماراتية لاستيضاح الموقف. فيما حاولت السفارة اللبنانية في أبو ظبي جمع معطيات حول الجريمة. ويُفترض أن يجري تواصل اليوم بين بو حبيب ونظيره الإماراتي عبدالله بن زايد، وأن يطلب من الوزير الإماراتي تسليم جثة الشهيد لأفراد أسرته الموجودين في الإمارات والسماح لهم بالسفر إلى لبنان والإفراج عن بقية المعتقلين.
وبحسب مصادر معنية، بعث المسؤولون الإماراتيون برسائل غير رسمية إلى مرجعيات لبنانية تطالب بوقف الحملة الإعلامية وعدم التداول بالجريمة، على أن تُترك لأبو ظبي فرصة لمعالجة الأمر. ووصلت الوقاحة بالإماراتيين حدّ الطلب من أهل الشهيد عدم إقامة عزاء له في لبنان، فيما مُنع أفراد أسرته في الإمارات من تقبّل التعازي. وبحسب المعلومات، يمارس الأمن الإماراتي ضغوطاً على الأسرة لإصدار بيان ينفي ما ينشر في وسائل الإعلام. فيما رفضت السلطات الإماراتية الرد على مطالبات جمعيات حقوقية دولية بالحصول على معطيات حول الجريمة، مستفيدة من صمت السلطات الرسمية اللبنانية، وتواطؤ وسائل الإعلام اللبنانية والعربية في التعتيم على الجريمة.
وفيما لم نعرف بعد نتائج جهود يفترض أن يقوم بها الصليب الأحمر الدولي لاستعادة جثمان الشهيد استناداً إلى قوانين دولية تمنع على أي دولة احتجاز جثث غير مواطنيها، طالبت منظمة العفو الدولية أمس السلطات الإماراتية بالتحقيق في وفاة عز الدين الذي كان موقوفاً في الإمارات منذ 22 آذار الماضي مع عشرة لبنانيين آخرين من بينهم شقيقاه، من دون أن توجه لهم أي اتهامات. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن متحدث باسم لجنة الموقوفين اللبنانيين في الإمارات عفيف شومان أن عز الدين يقيم في الإمارات منذ 30 عاماً، وقد توفي قيد الاعتقال ولم تبلّغ عائلته إلا بعد خمسة أيام على وفاته.
ولفتت المتحدثة باسم منظمة العفو سيما والتينغ إلى أن السلطات الإماراتية طلبت من نجل عز الدين الحضور للتعرّف إلى جثة والده، إلا أنها لم تسمح له سوى برؤية وجهه، «ويبدو أن السلطات تحاول إخفاء السبب الحقيقي للوفاة والتستّر على القضية»، مشيرة إلى دفن الجثة بعد رفض تسليمها لعائلته لنقلها إلى لبنان. وشدّدت على ضرورة أن تجري السلطات الإماراتية تحقيقاً في القضية لتكشف سبب الوفاة، وعلى الإفراج عن الموقوفين الآخرين «ما لم يكن هناك دليل على ارتكابهم جريمة، بما يتناسب مع القانون الدولي، وضمان إمكانية تواصلهم مع محاميهم وعائلاتهم وحصولهم على الطبابة اللازمة». ولفتت إلى أن «للإمارات العربية المتحدة سجلاً من الاعتقال التعسفي، وقد نتجت من ذلك في قضايا سابقة محاكمات جائرة وأحكام سجن طويلة».
وأفادت الوكالة الفرنسية بأنها لم تتمكّن من الحصول على تعليق حول الأمر من وزارة الخارجية في الإمارات.
وفي تغريدات على «تويتر»، أعربت «منظمة العفو الدولية - الخليج» عن «مخاوف من ملابسات مشبوهة أحاطت بوفاة عز الدين. والسلطات ليست صريحة بشأن سبب الوفاة. وعليها فتح تحقيق مستقل ونزيه، وإعلان نتائجه».

سجل الإمارات أسود
كذلك دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان السلطات الإماراتية إلى توضيح أسباب وفاة عز الدين أثناء احتجازه، وإجراء تحقيق مستقل وشفاف ونشر نتائجه، بما يضمن تحديد الجناة المحتملين ومحاسبتهم.
وأوضح المرصد أنّه حصل على إفادة تشير إلى احتمال وفاة عز الدين بعد تعرضه للتعذيب أثناء تحقيق الأمن الإماراتي معه في مركز لجهاز أمن الدولة بين دبي والشارقة، مشيراً إلى أنّ السلطات الإماراتية شنّت في آذار الماضي حملة اعتقالات طاولت أكثر من عشرة لبنانيين «على خلفيات مجهولة ومن دون إجراءات قانونية مُعلنة وواضحة، وأفرجت في وقت سابق عن عدد منهم، وأبقت نحو خمسة قيد الاحتجاز». وذكّر بأنّه «سبق للإمارات التورّط في احتجاز أجانب على نحو غير قانوني، وإخضاعهم للتحقيق، واحتجازهم في ظروف غير إنسانية، وتعريضهم لتعذيب نفسي وجسدي، وترحيلهم تحت ذرائع أمنية فضفاضة وجائرة».
طلبت أبو ظبي عدم إقامة مراسم عزاء وأجّلت الردّ على لبنان إلى اليوم وضغوط على الأسرة لالتزام الصمت

وكشف عن توثيقه لإفادة أحد اللبنانيين الذين خضعوا لاستجواب مطوّل، قال فيها إنّه احتجز على نحو تعسفي من دون أي مذكرة قانونية، وتعرّض لتحقيق قاسٍ تخلله اعتداء جسدي، وكان التحقيق يتركز على قضايا سياسية تخص الدولة التي يحمل المحتجز جنسيتها. وخلص إلى أنّ «السجل الحقوقي السيئ للإمارات في ما يتعلق باحتجاز الأشخاص على خلفية الرأي والتعبير أو الخلفيات المرتبطة بالحريات، يثير مخاوف عميقة من احتمال وفاة المحتجز اللبناني غازي عز الدين في ظروف غير طبيعية قد تشمل المعاملة السيئة». كما أن «الغموض الذي تتبعه السلطات الإماراتية في ما يتعلق بعمليات الاحتجاز التي تنفذها يزيد الشكوك حول الدوافع الحقيقية لتلك الممارسات، إذ تعمد في معظم الحالات إلى الامتناع عن إصدار أي بيانات علنية بشأن تلك الممارسات، ولا تتعاطى على نحو فاعل مع استفسارات منظمات حقوق الإنسان في القضايا ذات العلاقة». وحث المرصد السلطات الإماراتية على «الإفراج الفوري وغير المشروط عن كل المحتجزين تعسفياً في سجونها، والتوقف عن ملاحقة الأشخاص على نحو غير قانوني، واحترام حقوقهم في حرية الرأي والتعبير، والحركة والتنقل».