لم يكن غريباً قرار محكمة استئناف بيروت (غرفة القضايا النقابية) بالمصادقة على قرار مجلس نقابة المحامين حول تقييد حرية المحامين بالتواصل مع الإعلام؛ هو سياق متكامل تكمن في نهايته خلاصة واحدة: كمّ الأفواه. هذا السياق الذي بدأ مع إصدار وزير العدل هنري خوري تعميماً إلى القضاة يقضي بالامتناع عن الظهور الإعلامي، قبل أن تتبعه نقابة المحامين بتعميم. وبينهما قرارات قضائيّة بملاحقة مجموعة من المحامين الذين «أبحروا» في فتح ملفّات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأعوانه، بجرم القدح والذم، والتي كان آخرها أمس حينما وافق مجلس نقابة المحامين على رفع الحصانة عن المحامي وديع عقل وإعطاء الإذن بملاحقته، في الدعوى المقدّمة ضدّه من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.هي إذاً، المنظومة السياسيّة - الماليّة التي تُحاول انتهاك الحريّات وتهديد من يتجرأ على مُحاربتها بأنّ «قوانينها» و«عقوباتها»، التي تصل إلى حد الطرد والحبس، ستكون بالمرصاد. والعقوبات نفسها لا تطاول المشتبه بارتكابهم جرائم نهب الدولة وإفقار شعبها، بل محصورة باسم من يرفع صوته مُجاهراً بارتكابات المنظومة أو من يقوّض سيطرتها على أُسس النظام.
هذه «المسطرة» رُفعت سابقاً في وجه النائب العام الاستئنافي غادة عون التي نالت «نصيبها»، واللافت أن قرار كم أفواه المحامين وصرف عون صادران عن القاضي نفسه؛ أيمن عويدات. وهو ما يشي بأن السياق مستمر بحلقات مُختلفة حتّى تكون سمة الرضوخ هي الثابتة بين كلّ القادرين على فتح الملفّات القضائيّة للفاسدين. وبالتالي، صارت المُعادلة التي تُريدها المنظومة واضحة: السكوت بالرضى أو الإسكات عنوةً بمباركة القانون!
اللافت أنّ القرار الذي اتخذته محكمة الاستئناف كان صادراً عن 5 أعضاء؛ 3 قضاة واثنان من نقابة المحامين الموافقين مُسبقاً على قرار المجلس بتقييد التواصل مع الإعلام، ولتُطبّق المحكمة مقولة «أنا الحُكم والحَكم» بحرفيّتها في وجه 12 محامياً تقدّموا بطعنٍ، بالإضافة إلى طعنٍ ثانٍ ضُمّ إليه وقدّم من المحامي نزار صاغية الذي تمّ تهديده سابقاً بشطب اسمه من نقابة المحامين من دون أن يصدر القرار بحقّه بعد من قبل مجلس النقابة.
خطورة قرار عويدات في أنّه نهائي والتعديلات التي أقرّها مجلس النقابة أصبحت نافذة، بحسب ما يوضح أحد مقدّمي الطعن المحامي حسن بزي، لافتاً إلى أنّ «المحامين يستطيعون الطعن بقرارات مجلس النقابة أمام محكمة استئناف بيروت التي يُعد قرارها نهائياً وغير قابل للتمييز»، مؤكّداً أنّ «هناك خطوات قانونيّة يُمكن القيام بها، ولكننا لم نتخذ بعد القرار الذي يجب أن يُتخذ بالإجماع بيننا كجهة مدّعية».
في المقابل، يتردّد أن بعض المحامين يتدارسون رفع دعوى ضد الدولة حول مسؤولية القضاة عن أعمالها ممّا يُبطل القرار حينها، فيما يحتدم النقاش بهذه الخطوة خصوصاً أن البعض يُشير إلى أنّه في حال ثبوت الخطأ عند مداعاة الدولة، فيُمكن أن يكون القرار هو التعويض على الجهة المدّعية أو القبول بإبطال القرار الاستئنافي.
محكمة الاستئناف التي أصدرت القرار ضمت اثنين من المحامين الموافقين مُسبقاً على قرار النقابة


أمّا الخطوات الأُخرى، فيُمكن أن يتوجّه بعض المحامين إلى الهيئة العمومية في نقابة المحامين للطلب بالتراجع عن إجراء التعديلات والمصادقة عليه، وإمّا الرضوخ لقرار المحكمة الاستئنافيّة واعتباره بُحكم «المبرم» من دون أن يكون بـ«اليد حيلة» لتغييره.
وتعليقاً على القرار عقد نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار مؤتمراً صحافياً أشاد خلاله بالقرار باعتباره من «القرارات الكُبرى التي أرست مبادئ مهمة في مجال ممارسة الحرية الإعلامية من قبل الزملاء المحامين، مستنداً إلى أحكام ومبادئ معتمدة في بعض الدول الرائدة في مجال حقوق الإنسان». وأضاف: «منذ البدء، لم يكن وارداً في ذهن مجلس النقابة التضييق على الحريات أو كم الأفواه، كما روج له البعض إعلامياً وحاولوا أن يجعلوا من الموضوع قضية رأي عام، بعد أن فشلوا في تسويق الأمور أمام المحامين الذين وقفواً سداً منيعاً في وجههم إلى جانب نقابتهم»، معتبراً أنّ «هدف التعديل كان تنظيمياً رتّبته الظروف الراهنة للظهور الإعلامي المتكرر لقلة من المحامين، خلافاً للقانون والأنظمة».