يدخل الأستاذ وليد صفاً يضم 30 طالباً، وفي جعبته الكثير من الكلام ليلقيه على مسامعهم. يقع بصره أولاً على مجموعة منهم يجلسون في المقاعد الأولى، وهؤلاء يتابعون عادة كل كلمة ويكونون متطلبين ومتعطشين لتطوير قدراتهم بوتيرة سريعة.
يشيح بنظره إلى نقطة أخرى حيث يجلس طلاب يحاولون أن لا يغفوا أو يسهوا خوفاً من عقاب الأستاذ. وفي أقصى الحجرة طلاب سينسون جزءاً من المفاهيم بمجرد انتهاء الشرح، وسيحتاجون إلى الإعادة مرة أو مرتين أو أكثر. وفي كل مرة يتأخر تحصيلهم حتى يصلون إلى نهاية العام وقد انعكس التأخر الدراسي على نتائجهم. قد يسأل الأستاذ نفسه: «كيف لي أن أساعد كل فئة من هؤلاء؟ كيف لي أن أخصص وقتاً لمعالجة أسئلة الصف وحل التمارين؟ كيف لي أن أنقل مسؤولية التعليم والشرح من الأستاذ إلى الطالب، لأن هذا يحفزه أكثر، وخصوصاً عندما يشعر الطالب بأنّه يقبض على تحصيله التعليمي؟ أليس بإمكان الطلاب الاستفادة من التكنولوجيا بدلاً من أن تكون عامل لهو لهم؟».
من هذه الأسئلة انطلقت فكرة الصف المعكوس «flipped classroom» على أيدي أستاذَي الكيمياء جوناثان برجمان وارون سامس في مدرسة أوكلاند بارك في كولورادو الأميركية عام 2007.
بعدما كان الطالب يستمع إلى الدرس في الصف ويجيب عن الأسئلة في البيت، سيستمع إلى الدرس في البيت من خلال فيديو مرئي يسجله الأستاذ ويشرح فيه الدرس المقرر ويستعين فيه بكل الوسائل التقنية السمعية والبصرية المتاحة لتوضيح الدرس للطلاب وجذبهم إليه. أما في الصف، فسيطبق الطالب ما تعلمه في البيت عملياً أمام أستاذه من خلال عدد من الأنشطة والفعاليات المختلفة. وبذلك، يتحول دور الأستاذ من ملقن إلى موجه ومساعد ومحفز للطلاب يشرف على سير الأنشطة ويقدم الدعم لمن يحتاج إليه، لأن وقته في الصف يتحرر من المقدار المطلوب لشرح المادة، ويتمكن الأستاذ من قضاء مزيد من الوقت في التفاعل مع طلابه داخل الصف بدلاً من إلقاء المحاضرات. أما الطالب، فيتحول إلى باحث ومستخدم للتقنية بفاعلية من خلال التعلم الذاتي والتفكير الناقد.
مع هذه التقنية، لا يحتاج الطالب إلى الأستاذ ليدرسه المحتوى، بل لمساعدته حين لا يستوعب بعض المفاهيم.
المبدأ والتطبيق سهل جداً، إذ يستطيع الأساتذة تسجيل المحاضرات على «سي. دي» أو youtube.
من مميزات الصف المعكوس أنه يسمح بـ:
- تخصيص مفهوم واحد لكل فيديو، وتكون مدته أقل من 15 دقيقة حيث يتابعه الطلاب في بيوتهم كواجب، ثمن يأتون إلى الصف وفي حوزتهم أسئلة واستفسارات تحتاج إلى شرح وتفسير من الأستاذ.
- إتاحة إمكان إعادة الفيديو المصور عدة مرات، وتوقيفه لتدوين الملاحظات دون إحراج للطالب، أو تأخير الدرس أو حتى مضايقة الأستاذ، كذلك يمكن المتعلم تسريع بعض المقاطع الأخرى.
- الإتاحة للأهل مشاهدة الفيديو مع أولادهم، إما للتعلم أو لإعادة شرحه لهم ومساعدتهم.
- تحرير وقت الصف بحيث يصبح الأستاذ قادراً على معالجة أسئلة الطلاب، وشرح المفاهيم التي استعصت عليهم، وحل الأسئلة والتمارين مع مناقشة نقدية لبعض المفاهيم.
ـ التقويم بنحو دقيق لفهم كل طالب وقدراته من خلال النقاش معهم وتقديم الدعم المناسب للمتعثرين من الطلاب، وبالتالي ستكون مستويات الفهم والتحصيل العـلمي مرتفعة، لأن الأستاذ راعى الفروقات الفردية بين المتعلمين.
- تغيير الإدارة الصفية، فبدلاً من أن يجلس قسم من الطلاب وهم في حالة ملل أو شرود ذهني، يصبح حضورهم في الصف لمتابعة النشاطات والعمل ضمن مجموعات صغيرة للنقاش ومعالجة الأسئلة.
أصبحت التكنولوجيا، أحببناها أو كرهناها، بحراً يسبح فيه الطلاب من الكومبيوتر إلى التابلت إلى الهواتف الذكية، ما يعني أننا لا يمكننا إقصاؤها عن عملية التعليم. من الجريمة بحق الأجيال أن يبقى النظام التعليمي تلقينياً وأن يقتصر استخدام التقنيات الحديثة على بيانات علامات الطلاب أو قسائم الأقساط.
إن مبدأ flipped classroom يستخدم التكنولوجيا بنحو متوازن ويبدأ بتحميل الطالب مسؤولية تطوره وتعلمه ويضعه في موقع القيادة لهذه المهمة. ألا يجب بالحد الأدنى التجريب؟
* أستاذ جامعي

يمكن التواصل مع الكاتب على البريد الإلكتروني الآتي:
[email protected]