ارتياح شعبي وقلق سياسي وتحفّظ أميركي ودعم سوري وفرنسي وحيرة حول الموقف السعوديوقبل دقائق من بدء المؤتمر الصحافي للمسؤول القطري والأمين العام للجامعة العربية، رنّ هاتف موسى، وكان المتحدّث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي سأل عمّا يحصل، وأعرب عن دهشته لإنجاز وفد الجامعة الاتفاق. وأبلغه موسى أن رسالة سوف تصله خلال ساعات عن الاتفاق، وهو ما حصل في وقت متأخّر من ليل امس، فيما كان موسى يتحدّث لاحقاً الى وزيري الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل والسوري وليد المعلم ويتبلّغ منهما دعماً قال إنه شعر بجديته للحوار الذي سيبدأ في قطر اليوم، دون أن يخفي موسى قلقه من تعثّر ما. وقال: نحن الآن في مرحلة ثانية من رحلة حلّ أزمة لبنان، وإذا ما توصلنا الى نتائج مقبولة، فإن لبنان سوف ينعم بهدوء طويل.
وبحسب الترتيبات المقررة، فإن 13 زعيماً لبنانياً سوف يسافرون اليوم على متن الطائرة الخاصة لرئيس الوزراء القطري، يرافقهم وزراء خارجية الدول العربية المشاركة في اللجنة، على أن تلحق بهم طائرة أخرى تجمع المرافقين والإعلاميين الذين يستعدّون لقضاء بضعة أيام في العاصمة القطرية في سياق مباحثات تستهدف التوصل الى تفاهم على شكل الحكومة الجديدة وقانون الانتخابات المقبلة، ما يتيح انتخاب العماد ميشال سليمان قريباً جداً، ليتولى هو إدارة الجزء الآخر من الحوار الذي سوف ينحصر عملياً في آلية تحسين وتطوير نظام المشاركة في الحكم والبحث في مستقبل علاقة الدولة مع المقاومة.
وكان حمد بن جاسم وموسى قد أنجزا قرابة الرابعة من فجر أمس مسوّدة اتفاق ينص على التزام جميع الاطراف بعودة البلاد الى ما كانت عليه قبل الخامس من أيار، وإزالة آثار المواجهات التي حصلت، بما في ذلك تراجع الحكومة عن قراريها، والشروع فوراً في حوار مكثّف حول بنود المبادرة العربية. وكان الوفد العربي قد حصل على موافقة قوى المعارضة على هذه الورقة، وعلى موافقة بعض أقطاب فريق 14 آذار، ولا سيما النائب وليد جنبلاط، فيما كان النائب سعد الحريري ومسيحيّو 14 آذار يصرون على إدخال بند آخر يخص السلاح، تراوح بين القول بحاجتهم الى ضمانات بعدم تكرار ما حصل، وبجعل ملف سلاح حزب الله بنداً على طاولة الحوار.
«لكن موازين القوى ونتائج ما حصل» فرضت صياغة البنود بطريقة مختلفة، على ما قال مرجع في الوفد العربي، وأضاف: «ان فريق 14 آذار بدا في وضع صعب للغاية. لا توحده رؤية ولا توجه واحد، وفيما كان جنبلاط مستعداً لإنجاز الاتفاق على الحكومة وقانون الانتخابات في لحظة واحدة، كان الحريري يناقش في إمكان تحسين الموقع التفاوضي، فيما يتصرف مسيحيو 14 آذار بذعر الخائف من خسارة كل شيء». لكن هذا المرجع لفت الى «مفاجأة» ناجمة عن موقف العماد ميشال عون الذي بدا متحفظاً على صياغة الاتفاق، لأنه رفض اعتبار ترشيح العماد ميشال سليمان أمراً محسوماً، كما رفض الإقرار بأن الحكومة المقبلة سوف تكون حكومة مفتوحة المهام. حتى إن المداولات التي أخرت المؤتمر الصحافي لحمد بن جاسم وموسى ركزت على الآتي:
أولاً: تحفظ الرئيس نبيه بري على جعل الحوار قائماً بمشاركة الجامعة العربية، والإصرار على اقتصار حضور الجامعة في الجولة الاولى، ثم يترك الامر للبنانيين فقط.
ثانياً: رفض «القوات اللبنانية» كل المشروع، ثم الموافقة عليه على أساس أنه لن يكون هناك اتفاق من تحت الطاولة.
ثالثاً: تحفظ العماد عون على حسم انتخاب سليمان واقتراحه مناقشة اعتبار الحكومة المقبلة انتقالية تنحصر مهمتها في إجراء انتخابات نيابية.
رابعاً: سعي النائب الحريري الى تقديم بند الحوار حول «علاقة الدولة بالتنظيمات» الى البداية.
وبحسب المداولات، فإن حمد بن جاسم ومعه موسى بذلا أنواعاً مختلفة من الوساطات وقدما الكثير من الضمانات التي أتاحت التوصل الى الاتفاق الذي أعلن. وعندما انتقل الجميع الى قاعة المؤتمر الصحافي، كان الكل في أجواء أن الجولة الاولى في الدوحة قد لا تستمر أكثر من 3 الى 4 أيام، على أن ينتقل بعدها المتحاورون الى بيروت لاستكمال البحث، علماً بأن مسؤولاً بارزاً في اللجنة العربية لم يستبعد أن يظل المتحاورون لوقت مفتوح في الدوحة حتى يتم إنجاز الاتفاق الذي أذاع حمد بن جاسم بنوده كلها (نص الاتفاق ص 7).
وليلاً، عكف المدعوّون الى مؤتمر الحوار على إعداد ملفاتهم وحقائبهم استعداداً للسفر الى الدوحة اليوم، وتردّد أن بعضهم توجه إليها تحت جنح الظلام. وصدرت عن بعضهم مواقف حذرة إزاء إمكان نجاح الحوار، ومن هؤلاء الرئيس أمين الجميّل الذي رأى «أن المدخل إلى أي حل هو التفاهم على معنى كلمة سيادة، وضمان عدم توجيه حزب الله سلاحه إلى الداخل»، مجدِّداً مطالبته بـ«تطمينات بنيوية لا طوباوية». وقال «إن لم يجر البحث في موضوع السلاح وعلاقة حزب الله مع الدولة وسيادتها وسلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، نكن قد راوحنا مكاننا ولم نتوصل إلى أي شيء».
بدوره، رأى وزير الاتصالات مروان حمادة أن ما استطاعت اللجنة العربية تحقيقه هو «هدنة بالحد الأدنى ومخرج بالحد الأقصى»، مشيراً إلى أن الهدنة أفضل من ترك الأمور تتطور نحو معارك كاملة في بيروت والجبل. وإذ أكد أن الأفرقاء ليسوا ذاهبين إلى الدوحة لتغيير اتفاق الطائف، شدّد على وجوب عدم الخروج عن هذا الاتفاق.

تحفُّظ أميركي

وأعلنت الولايات المتحدة الاميركية بلسان المتحدث باسم خارجيتها شون ماكورماك، تحفظها عن الاتفاق الذي رعته اللجنة الوزارية العربية للخروج من الازمة السياسية في لبنان. ورأى ماكورماك أن الاتفاق «لن يعالج الصعوبات التي لا تحصى لنظام لبنان السياسي خلال فترة أسبوع وفي مجموعة واحدة من المناقشات». وأشار الى استمرار «حزب الله» في طرح «تحدٍّ للشعب اللبناني في المستقبل من ناحية تحقيق ديموقراطية واسعة النطاق وعميقة يستفيد منها كل اللبنانيين».
واتهم ماكروماك حزب الله بأنه «مستعد لقتل اللبنانيين في سبيل جدول أعماله السياسي»، معتبراً أن هذا الحزب «ليس لديه أي أساس غير محاولة توسيع قوته السياسية والعمل خارج النظام السياسي في لبنان»، وأكد أن الحزب «سيبقى تحدياً مستمراً لمن في المجتمع الدولي لديه مصلحة في لبنان أكثر سلاماً ورفاهية وديموقراطية». وقال إن «حزب الله» يمثّل «مشكلة طويلة الامد وانه يتأثر بشكل كبير بقوى خارجية هي ايران وسوريا».
ورحّب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بالاتفاق مكرّراً تأكيد «دعم فرنسا للمؤسسات في لبنان، وخصوصاً الحكومة والجيش اللبناني» الذي كان تحركه «حاسماً لإيجاد الظروف الملائمة لتجاوز الازمة». وأضاف ان «فرنسا تدعو كل الاطراف، داخل لبنان وخارجه، الى بذل كل الجهود الضرورية لتفضي المشاورات الى انتخابات رئاسية وتأليف حكومة وحدة وطنية ووضع قانون جديد للانتخاب بسرعة». ومن جهته قال وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير: «أنا مرتاح جداً الى تهدئة الوضع التي ترتسم في لبنان. والاتفاق الذي تم التوصل إليه هو خطوة أولى ليتمكن الجيش وقوى الأمن الداخلي من ضمان الأمن مجدداً في البلاد».
ورحب وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بالاتفاق، وقال إنه «أمر جيد وإيجابي أن يتفق السياسيون اللبنانيون على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل يوم 5 أيار الجاري وإنهاء المظاهر المسلحة بكل صورها». ونوّه بمضمون هذا الاتفاق، وأكد أن نص الاتفاق «يعكس توازناً يوفر لكل طائفة وفريق سياسي في لبنان الدور الذي يتوقعه بما يحافظ على اتفاق الطائف والدستور اللبناني باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للتركيبة الفريدة لهذا البلد العربي الشقيق».
وأكد السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة أن السفارة مستمرة بالعمل قدر المستطاع آملاً أن يعود السعوديون إلى لبنان خلال فصل الصيف. وقال إن بلاده تبارك الاتفاق الذي رعته الجامعة العربية آملاً أن يعود لبنان إلى ازدهاره ومجده مؤكداً الجهوزية للمساعدة مشدداً على أن المهم هو الوصول إلى نتائج.