جميل حداد من الفئة الأخيرة، عشقه للبحر أوصله إلى ما هو عليه. يقول المثل الشائع «حظ عطيني وبالبحر رميني»، لكن جميل لم يبحث عن حظ ولا عن صدفة، وأدرك أنه وحده القادر على تحقيق ما يصبو إليه من خلال العمل والمثابرة والقدرة على التأقلم مع المتغيرات في الحياة، وقناعته بأنه يوجد عدة طرق للنجاح، إذا تعذر سلوك واحدة يكفي فقط تغيير المسار. حالت ظروف جميل المادية بينه وبين حلمه بشراء لوح شراعي، فقرر أن يعمل كنادل أملاً بأن يجني ما يكفي من المال لتحقيق مبتغاه. لكن الرياح لم تجرِ كما تشتهي سفنه، وعمله كنادل لم يوفر له المدخول اللازم لشراء اللوح الذي يتوق إليه.
كان بإمكانه الاستسلام، وأن ينعى حظه للبحر، لكنه اختار تغيير استراتيجيته وأن يكسب المال بطريقة مبتكرة من خلال صناعة الكحول. علاقته حتى الآن بالمشروب تقتصر فقط على احتسائه، فلا خبرة لديه بكيفية تحضيره ولا الخطوات الواجب اتباعها لإنتاجه. فصمم على التعلم خاصة أن مدينته البترون مدّته بالمحفّزات الضرورية وهي المتآخية مع البحر والتي يعدّ فيها شرب البيرة عادة طبيعية وجزءاً من ثقافتها البحرية.
قصد لندن بحثاً عن المعرفة التي تنقصه وفي «عاصمة الضباب» اكتشف أنه بإمكان أي شخص أن يحضّر البيرة من منزله متى توافرت لديه المعدات والمكوّنات اللازمة. اشترى ما يلزمه وعاد إلى لبنان حيث بدأ بخلط البيرة في منزله. لزمه الأمر 6 أشهر حتى نجح في تحضير أول طبخة صالحة للشرب، ومن أفضل من الأصدقاء لاختبار جودة المنتَج؟ كان يدعو رفاقه لحفلات شوي ويطلب منهم التذوق، آخذاً بملاحظاتهم ونصائحهم ومعدّلاً في كل مرة بالنكهات إلى أن وصل إلى الوصفة السحرية.
رفض الاستسلام وقرر أن يكسب المال من خلال صناعة الكحول


صيف عام 2014 كان افتتاح «كولونيل بير» في البترون، في قلب المدينة وعلى بعد خطوات من شاطئ البحر. المشروع كما البيرة التي تتطلب عدة خلطات لتصبح جاهزة، هو عبارة عن مجموعة أفكار متشابكة ومتداخلة أنتجت مطعماً مطلّاً على البحر يحتضن مصنعاً لإنتاج البيرة ظاهراً للحضور والزوار من خلال فاصل زجاجي، بما يسمح بتتبع كافة مراحل الإنتاج. كما أن البيرة التي ينتجها المصنع ليست حصرية فقط بالمطعم بل باتت توزّع في لبنان، وهي تتميز بأنها تنتج من مواد طبيعية وخالية من أي مواد حافظة.
ما بدأ بحلم بسيط لشراء لوح شراعي لركوب الأمواج قاد صاحبه إلى بناء مطعم ومصنع لإنتاج البيرة أمام البحر الذي لطالما استهواه، وهو ما يلخّصه جميل بالقول: «ما دام المرء يملك حلماً، عليه ألّا يخاف إذا اضطر لتغيير مساره كي يحققه. فالنجاح قد يكون في التغيير!