اعتقلت السلطات في طوكيو رئيس مجلس إدارة شركة «نيسان»، كارلوس غصن، ذي الأصول اللبنانية، بسبب مزاعم انتهاك قانون التداول المالي في اليابان، وفق ما ذكرت صحيفة «أساهي» اليابانية، بعدما تحدثت تقارير سابقة عن «احتمال توقيفه وتوجيه تهم له».وكالة «بلومبرغ» قالت، نقلاً عن الصحيفة، إن مدّعين عامّين يابانيين ألقوا القبض على رئيس مجلس الإدارة، بشُبهة فشله في «الإعلان بصدق عن قيمة راتبه» الذي يتقاضاه من الشركة العملاقة، لافتةً إلى أنه أخفى قسماً من عائداته عن مصلحة الضرائب.
وفيما أكدت صحيفة «يميوري» نبأ اعتقال غصن، ذكرت وسائل إعلام يابانية أن الأخير تمّ توقيفه بشبهة «سوء السلوك المالي»، في حين أشارت «أساهي» لاحقاً إلى أن ممثلي الادعاء «بدأوا تفتيش مكاتب مقرات نيسان» ومواقع أخرى اليوم.

نيسان: قد نُقيله
اللافت أن نبأ الاشتباه في أن يكون غصن قد قلّل بيانات مداخيله، سرعان ما أكدته مجموعة «نيسان» التي قالت، اليوم، إن رئيس مجلس إدارتها «أعلن على مدى عدة سنوات عن عائدات تقل عن مدخوله الفعلي»، بحسب نتائج تحقيق داخلي. وأضافت المجموعة في بيان: «إلى جانب ذلك، تم اكتشاف عدة أعمال سوء سلوك، مثل استخدام أملاك الشركة لغايات شخصية»، مشيرةً إلى أنها ستقترح على مجلس الإدارة «إقالته من منصبه سريعاً».
الاتّهام المرجّح لغصن يعيد فتح النقاش حول الأزمة التي تفاقمت عام 2016 بين الأخير وبين مساهمي إحدى شركات «كاك 40» (مؤشر قياس يمثل القيمة المرجحة للقيم 40 الأكثر أهمية من بين 100 شركة في السوق في بورصة باريس). حينذاك، صوّتت غالبية مساهمي الشركة ضد حجم الراتب والمكافآت الملحوظة لغصن، والذي وصل عام 2015 إلى 7.2 مليون يورو.
وفي أواخر نيسان 2016، صوت 54.12% من حملة الأسهم في شركة «رينو»، التي تملك الحكومة الفرنسية 19.7% من أسهمها، ضد حجم الراتب والمكافآت المقررة لغصن عن العام 2015.
ورغم أن تصويت المساهمين استشاري وغير ملزم، إلا أن ما فاقم الأزمة كان تصويت مجلس الإدارة لصالح المبلغ المقرر للمكافآت غاضاً النظر عن تصويت المساهمين، ما اعتبره الكثيرون طعناً للديمقراطية واستهتاراً غير أخلاقي برأيهم.
قرار مجلس إدارة «رينو» أثار، حينذاك، امتعاض الهيئة العليا لحوكمة الشركات في فرنسا (HCGE)، التي لم تشكك في هيكلية مكافآت الرئيس التفنيذي للشركة أو في شفافية العناصر التي تحددها، إلا أنها رأت أنه لم يكن هنالك من داعٍ لتصويت مجلس الإدارة بالإيجاب في اليوم نفسه الذي رفض فيه المساهمون حجم المكافآت المقررة لغصن.
والمشكلة الحقيقية بالنسبة إلى الهيئة العليا لحوكمة الشركات في فرنسا تكمن في الوظيفة المزدوجة لغصن كرئيس تنفيذي لكل من «رينو» و«نيسان». فإضافة إلى مبلغ 7.2 مليون يورو الذي يتقاضاه من «رينو» سنوياً، يحصل غصن من نيسان على 8 ملايين يورو سنوياً ما يرفع حجم مكافآته السنوية إلى حوالى 15 مليون يورو.
في مقلبٍ آخر، تلاحق كارلوس وصمة عار كبرى تجلّت عندما زار الكيان الصهيوني عام 2008، والتقى حينذاك رجال أعمالٍ وسياسيين إسرائيليّين، على رأسهم مجرما الحرب شيمون بيريز وإيهود أولمرت، من أجل تمكين هذا الكيان، عبر ائتلاف Nissan-Renault، من أن يصبح رائداً في مجال استخدامِ السيّارة الكهربائيّة.

من هو «مُنقذ شركة نيسان»؟
اقتحم كارلوس غصن، اللبناني الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والبرازيلية، مجال صناعة السيارات عبر شركة «ميشلان» لتصنيع الإطارات المطاطية، ثم سرعان ما شغل مناصب قيادية في شركات عالمية رائدة في المجال، وهي «رينو» و«نيسان» و«ميتسوبيشي».
عام 1996، نجحت شركة «رينو» الفرنسية للسيارات في استقطاب كارلوس غصن للعمل لديها، وعيّنته في منصب نائب رئيس تنفيذي مكلّف بتطوير عمل الشركة وفتح أسواق جديدة لها، كما كُلِّف رئاسة قطاع الشركة في أميركا الجنوبية.
وعندما نشأ تحالف بين «رينو» و«نيسان» عام 1999، حافظ غصن على منصبه في «رينو»، لكن عُيّن أيضاً رئيس قطاع عمليات في «نيسان»، قبل أن يصبح عام 2001 رئيساً تنفيذياً للأخيرة.
خلال تلك الفترة، تمكن غصن عبر سياسة خفض الكلفة من تحويل مجموعة «نيسان»، التي كانت على وشك الإفلاس، إلى شركة رابحة بلغ رقم أعمالها السنوي نحو مئة مليار يورو. في عام 2005، عُيّن كارلوس غصن رئيساً لـ«رينو»، مع احتفاظه بمنصب الرئيس التنفيذي للشركة، ومنصبه على رأس «نيسان»، مما جعله أول شخصية تترأس شركتين من هذا الحجم في العالم، وذلك في وقت واحد.
في تشرين الأول/أكتوبر 2016، أتمت «نيسان» سيطرتها على 34% من شركة «ميتسوبيشي»، وأصبح غصن بذلك رئيساً لثلاث شركات عالمية.
وفي شباط 2017، قرر كارلوس غصن التنحي عن الإدارة المباشرة لـ«نيسان»، على أن يبقى رئيس مجلس إدارتها من أجل التركيز على التحالف مع شركتي «رينو» و«ميتسوبيشي موتورز»، الذي يطمح لحمله إلى قمة صناعة السيارات العالمية.