في السنوات الأخيرة، تعمدت جامعات كثيرة تأجيل تنظيم الانتخابات الطلابية ومنع النشاطات السياسية داخلها تحت حجة تجنيب «الصروح الأكاديمية» من أن تكون ساحات اختبار للكباش الحزبي خارجها، وكأن الجسم الطلابي الجامعي كيانٌ منفصلٌ عن الواقع السياسي العام. وإذا كان بعض الجامعات قد أقر بإشراك الطلاب في مجالس الجامعة ولجانها الأكاديمية، فالإجراء كان يعتمد في كثير من الأحيان، لكونه بات مطلباً دوليا للاعتماد الأكاديمي (accreditation). ويأتي الأمر هنا أقرب إلى الفولكلور الديموقراطي الذي يقضي بتمثيل الطلاب دونما أي تأثير يذكر.
صوت عالٍ
الناشطون الطلابيون يرفضون «سياسة الباب المفتوح» بديلاً من إطار قانوني يضمن حق الطلاب بالنضال السياسي والعمل المطلبي وممارسة الحرية الأكاديمية وحرية التعبير عن الرأي وحرية التنظيم. يقول جون قصير، منسق لجنة التواصل في شبكة مدى (شبكة شبابية علمانية مستقلة) إنه ليس هناك في معظم الجامعات معايير واضحة أو مؤشرات جدية على أن الطلاب شركاء في حوكمة الجامعة وإدارتها وفي الحياة الطلابية وليسوا مجرد زبائن. ففي بعض الجامعات هناك وثيقة مكتوبة عن النشاطات المسموح بها والأخرى الممنوعة، وفي جامعات أخرى تغيب النصوص تماماً وتطلق الاستنسابية، فيقع الطلاب تحت رحمة الإدارة ويتعرضون للضغط والابتزاز.فسقف التشاركية منخفض، بحسب قصير، لكون المجالس لا تتمتع بهامش من الاستقلالية ودورها استشاري فحسب، ولا سيما في القرارات الاستراتيجية مثل الأقساط والمساعدات المالية. أما في الجامعة اللبنانية، شكل قرار توقيف الانتخابات منذ 10 سنوات ضربة قاسمة للعملية الديموقراطية. وعلى الرغم من الاختراقات المهمة التي حققتها اتفاقات الطلاب ورئاسة الجامعة حول قانون الانتخاب ونظام المجالس الطلابية، لم تنجح في إعادة إجراء الانتخابات نتيجة ضغط بعض القوى السياسية غير المستفيدة من إجرائها على مجلس الجامعة.

المشاركة حق وليست ميزة
لا يتحمس طلاب كثر للمشاركة في قرارات الجامعة ويعزفون عن حقهم باختيار ممثليهم في المجلس الطلابي. والسبب برأي فرح البابا، رئيسة النادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت، غياب الوعي بأن العمل الطلابي حق للطلاب وليس ميزة تعطيهم إياها إدارة الجامعة، والسبب الآخر هو التراجع في مستوى الطرح والفكر وهيمنة الطابع الحزبي والفئوي على الحكومات الطلابية وضعف تمثيل الأخيرة في اللجان المقررة.
كذلك، إن بنية الحكومة نفسها المؤلفة من الأساتذة والطلاب، والتي يرأس اجتماعاتها إما رئيس الجامعة أو عميد الطلاب تؤثر في فعاليتها. «صحيح أن العميد لا يصوّت، لكنه يقرر أجندة الاجتماع»، تقول البابا.
«بيقدر الطالب يدق باب الإدارة بس الإدارة فيها ما تسمعلو»، من هنا يؤكد جو صياح، من حملة طالب في الجامعة اليسوعية «حاجتنا لأن نكون ممثلين من خلال انتخابات ديموقراطية تحفظ حقوقنا بالعمل النقابي». برأيه، الجامعة هي المكان الذي نتعلم فيه التحدث بالسياسة، وهي مدخل لإعداد الكوادر المتخصصة والقيادات النقابية والسياسية.

إدارات الجامعات
إلّا أنّ الأمين العام للجامعة اليسوعية، فؤاد مارون، يشير إلى أن صوت الطلاب ومشاكلهم وهواجسهم باتت في السنوات القليلة الماضية تصل عبر مجلس الطلاب المؤلف من نواب رئيس الجامعة وعمداء الكليات ورؤساء الهيئات الطلابية ورؤساء النوادي الطلابية. ويلفت إلى أنه للمرة الأولى في تاريخ الجامعة وأنظمتها يكون هناك مجلس من هذا النوع يضم 17 طالباً، فيما نائب رئيس المجلس هو طالب أيضاً. بحسب مارون، هؤلاء يناقشون بكل الأمور التي تعنيهم والتي تطرح على بساط البحث. هنا لا ممنوعات، وهناك قرارات عدّلناها بناءً على رغبتهم.
في جامعة الروح القدس الكسليك يتمثل الطلاب بحسب المكتب الإعلامي لإدارة الجامعة من خلال مجلس طلّابي يتألّف من ستة وعشرين طالباً، حيث يُختار طالبين اثنين عن كلّ كليّة. يتقدّم الطلّاب الراغبون بتمثيل رفاقهم بطلب إلى مكتب شؤون الطلّاب، ويجب أن تخضع الطّلبات لشروط أكاديميّة ومسلكيّة معيّنة تضعها إدارة الجامعة. من بعدها، يُختار الممثّلون عبر سحب القرعة بحضور جميع الطلّاب الرّاغبين ونائب رئيس الجامعة للشؤون الإداريّة وعميد الطلاب ومكتب شؤون الطلّاب والعمداء.
برأي الإدارة، باستطاعة مجلس الطلّاب أن ينقل جميع مطالب رفاقهم إلى إدارة الجامعة، كذلك إنّ مكتب شؤون الطلّاب مفتوح وجاهز دائماً للاستماع إلى أيّ طالب لديه مطلب أو شكوى أو أيّ فكرة أو موضوع يودّ التحدّث به.

حيوية مجالس الطلاب
يقر الباحث التربوي فضل الموسوي بأن عدم إعطاء النظام الجامعي صلاحيات تقريرية لهذه الهيئات والمجالس حوّلها في كثير من الأحيان من مجالس تمثيلية إلى أدوات شكلية وصورية بيد الجامعة، بعدما أقحمت في زواريب المنافسة السياسية الضيقة. إلا أنّه بصرف النظر عن الملاحظات على فعالية المجالس التي تفرزها الانتخابات والصلاحيات المعطاة لها، يصعب، كما يقول، الحديث عن معنى للحياة الطلابية الجامعية من دون هيئات ممثلة للطلاب. ففي بحث ميداني أعده عن «دور المجالس الطلابية في تعزيز الممارسة الديموقراطية في الجامعات اللبنانية: الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية نموذجاً»، أظهر الموسوي أنّ مشاركة الطلاب في النشاط الجامعي والعمل النقابي والمطلبي داخل الجامعة لم يكن دائماً ناتجاً من رحابة صدر الجامعة بهذا الدور، بل إنه في كثير من الأحيان انتزع بفضل نضال الطلاب وجهودهم.