لا يمكن إلا أن تقف بضآلة أمام جسامة "أورهان علي خان"، في مركز بناء البواخر بمجمّع "سيدف" في الشطر الآسيوي من اسطنبول. إنها حاليا أكبر باخرة لانتاج الطاقة الكهربائية على وجه الأرض. قدرتها الإنتاجية تصل إلى نحو 470 ميغاواط، وطولها يتعدى نصف كيلومتر. هي، باختصار، معمل طاقة عائم من المتوقع أن تكتمل أعمال بنائها خلال ثلاثة أشهر فقط.بالإمكانات التي تختزلها هذه الباخرة، تدرك كم من الممكن أن تجعل هذه الآلة حياة مئات آلاف اللبنانيين أكثر سهولة وراحة وسعادة، خلال ثلاثة أشهر فقط. إثنان مثلها، وتحل مشكلة الكهرباء في البلد. هذا إن كان هناك قرار أو حتى نية لحل معضلة كبّدت خزينة الدولة، كما جيوب اللبنانيين، مليارات الدولارت منذ انتهاء الحرب حتى اليوم، ومن دون أي أفق للحل.
في عام 2013 أبرمت الدولة اللبنانية ممثلة بشركة كهرباء لبنان مع "كار باورشيب" (الشركة الممثلة لـ"كارادينيز" في لبنان) عقدا مدّته ثلاث سنوات يتضمّن مشروع استخدام باخرتين لتوليد الكهرباء هما "فاطمة غول سلطان" و"أورهان بيه" الراسيتان قبالة معملَي الذوق والجيّة. حاليا تنتج هاتَان الباخرتان حوالي 400 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، أي نحو 30% من إجمالي إنتاج الطاقة في لبنان.
هل تكون بواخر إنتاج الكهرباء معامل لبنان الغد؟

بعيدا عن "جدلية" جدوى استعانة البلدان ببواخر إنتاج الطاقة، وأي الحلول أفضل، هذه البواخر أم بناء المصانع التقليدية، على المستوى الوطني والبيئي وعلى المدى البعيد، لا تبدو اليوم الخيارات المتاحة في الحالة اللبنانية كثيرة. لبنان سيمدد العقد مع "كارادينيز" لسنتين إضافيتين. لو لم يحصل هذا الامر لكان اللبنانيون قد خسروا 30% من مجمل كهربائهم المتهالكة أصلا.
لم يعد تمديد العقد الخبر. السؤال الأبرز: ماذا بعد السنتين؟ ماذا لو كانتا تشبهان السنوات الثلاث الاول من عمر العلاقة بين لبنان والشركة التركية، وهو الأرجح، كيف سيكون مستقبل القطاع؟
حين طرح موضوع بواخر الطاقة للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات تقريبا، كان الحديث عن حل موقت في انتظار إيجاد وتحضير حل دائم، أي تشييد معامل انتاج جديدة أو تأهيل وتحديث المعامل الموجودة... اليوم بات التركيز على البحث في إمكانية استقدام باخرة ثالثة أو رابعة بعد نجاح تجربة الباخرتين. فهل تكون البواخر معامل لبنان الغد؟
في اسطنبول، تسمع الكثير من الكلام عن حلول عديدة متاحة مع الجانب اللبناني إن أراد البحث أعمق في التفاصيل. حين تسأل عن معالم المرحلة المقبلة مع المعنيين يكون الجواب أن البحث مفتوح على كل الاحتمالات، من عقود تأجير وشراء بواخر، وحتى BOT، من شراء الفيول والغاز وصولا إلى عقود صيانة وتحسين واستشارات فنية لمصلحة المعامل اللبنانية القائمة، لكن دوما يكون التأكيد أن الجواب عند الجانب اللبناني، لا عنّا.

أورهان

للبنان مكانة خاصة لدى رئيس مجلس إدارة مجموعة "كارادينيز" أورهان كارادينيز، "إذ يكفي أني موجود أمام معمل الجية ليل نهار،" يقول ممازحا في إشارة إلى الباخرة التي تحمل اسمه.
على صعيد الأعمال يتفاءل الأتراك بلبنان، فعقد الباخرتين وقع منذ سنوات بعد مشاكل عانتها الشركة مع الجانب الباكستاني، فجاء الاتفاق مع لبنان لتزدهر من بعدها أعمالها في أفريقيا وآسيا. يؤكد كارادينيز: "نحن مستعدون لأي أمر يطلبه منا المسؤولون في لبنان. إنه بلد عزيز علينا. النقص في إنتاج الكهرباء هو التحدّي الأكبر للبنان، كشركة نبذل جهدنا لمساعدة شركة "كهرباء لبنان" على تأمين حاجتها من التيار الكهربائي".
يضيف: "أثبتنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة أننا قادرون على تقديم طاقة كهربائية فعّالة وذات جودة عالية بأسعار متدنية. نحن نبني على نحو متواصل بواخر طاقة جديدة، وإن كان لبنان بحاجة إليها فنحن مستعدّون لتزويده بباخرة ثالثة ورابعة أو حتى أكثر، ولكن لا مفاوضات رسمية حتى الساعة بيننا وبين المعنيين اللبنانيين حول هذا الأمر".
في كلام كارادينيز مجموعة واضحة من الرسائل والإشارات، يبدو أنها في طور التشكل مع الجانب اللبناني.

فيصل

يبتسم المدير التنفيذي، ممثّل "كارادينيز" في لبنان، رالف فيصل لدى سؤاله: هل من الممكن أن ترسو باخرة بحجم "أورهان علي خان" أمام شواطئنا الضحلة؟ يؤكد أنه فكر بهذا الأمر ووجد له حلا، إن أتيحت فرصة لحصول ذلك.
بواخر إنتاج الطاقة، برأي فيصل، أثبتت عمليا لا نظريا نجاعة الفكرة من الناحية التقنية والبيئية وحتى من ناحية الكلفة مقارنة بالمعامل التقليدية الثابتة.
ولأن المستقبل في هذا المجال للغاز لا للفيول، فبرأي فيصل إن كانت هناك نية لدى الدولة اللبنانية باعتماد انتاج الطاقة على الغاز فذلك سيوفر قسما كبيرا من الفاتورة النفطية ونحن كشركة مستعدون لتوفير باخرة غاز موازية لباخرة المعمل التي هي مجهزة أصلا للعمل على الغاز كما الفيول.
يتابع: "باستطاعة "كارادينيز" مساعدة شركة كهرباء لبنان قدر الإمكان من خلال زيادة التغذية المقدّمة والمتاحة عبر زيادة عدد البواخر المنتجة، التي بإمكان الشركة تجهيزها خلال فترة قصيرة تراوح بين ثلاثة وتسعة أشهر كحد أقصى".
ويؤكد فيصل الذي قضى سنوات طويلة من حياته المهنية مهندسا متخصصا في شؤون الطاقة وتوليد الكهرباء أن "كارادينيز" توفر أحد أنظف مصادر الطاقة في لبنان، بواخرها العاملة تزود اللبنانيين بالتيار الكهربائي بشكل مستمر ومنتظم وبتكلفة أقل من المصادر الحاليّة المتوافرة لشركة كهرباء لبنان، وبمواصفات تطابق كافة المتطلبات المحليّة والمعايير العالمية المرعية الإجراء".
تعد "كارادينيز" اليوم قصة نجاح تركية، فهي الشركة الوحيدة في العالم التي تنتج معامل كهرباء عائمة ذاتية الدفع. بواخرها ترسو حاليا في عدة بلدان كلبنان والعراق وإندونيسيا وغانا والموزامبيق وزيمبابوي، وعدد من البلدان الأخرى بحيث تملك وتشغّل أسطولاً ضخماً من بواخر الطاقة يزيد على 20 باخرة حاليا، تحمل جميعها أسماء أفراد من عائلة كارادينيز التي امتهنت العمل في مجال توليد الطاقة منذ النصف الأول من القرن الماضي.