باريس | منذ عام ونيّف، في 19 آذار/مارس 2017، كانت «مسيرة الكرامة» تجوب شوارع باريس؛ مسيرة نظّمتها عائلات ضحايا العنف الشرطي الذي يودي بحياة شخصين شهرياً في فرنسا كمعدل عام، من دون احتساب العدد الكبير للأشخاص الذين يصابون بجروح الخطيرة، وخصوصاً بإصابات في العيون ناجمة عن الاستخدام المفرط لبنادق الكرات الوامضة (flashballs). هذه «الحقرة»، كما يسمّيها شبّان الضواحي الفرنسية (وهو مصطلح مأخوذ من لهجات المغرب العربي ويشير إلى الظلم والذلّ)، ليست بالأمر الجديد، وهو ما تثبته حركات النضال السياسي التي تشكلت في الثمانينيات، مثل «المسيرة من أجل المساواة وضد العنصرية» و«حركة الهجرة والضواحي» وشعارها الشهير «لا سلام بلا عدالة!». ولكنّ فداحة هذه الممارسات الشرطية أخذت تتفاقم تدريجياً مع إفلات عناصر الشرطة من العدالة بشكل شبه منهجي في الضواحي والمناطق الشعبية الفرنسية.

«الثمرة الغريبة»

«للعنف ثلاثة مظاهر. الأول، وهو أساس المظهرين الآخرين، هو العنف المؤسسي الذي يشرّع الهيمنة والقمع والاستغلال ويديمها، والذي يقهر ويسحق ملايين الناس بصمت بشكل مستمر»، يقول الأسقف البرازيلي الراحل دوم هيلدر كامارا، الذي كان يحمل أفكاراً تقدمية، وتذكره أمل بنتونسي في حديثها. أما أغنية «الثمرة الغريبة» للمغنية بيلي هوليداي (الصورة) التي يشير إليها النص، فتقول: «أشجار الجنوب تحمل ثماراً غريبة أوراقها وجذورها مضرّجة بالدماء تتدلى منها أجساد سوداء تتمايل في النسيم الجنوبي»

«تزداد عدوانية الشرطة بثلاثة أضعاف عندما يكون الأشخاص الذين يخضعون للتفتيش من غير البيض»، يقول عالم الاجتماع سيباستيان روشي، في مجلة «نوفيل أوبسرفاتور» الصادرة في 10 شباط/فبراير 2017. هذا الواقع، يشير إليه أيضاً وزير العدل الفرنسي الأسبق جاك توبون، في دراسة حديثة يستنكر فيها «الاستهداف غير المتكافئ» للشبان السود والعرب، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ نسبة 16 في المئة من المواطنين المُستطلعة آراؤهم يقولون إنّهم خضعوا للتفتيش مرة واحدة على الأقل في السنوات الخمس الماضية، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 80 في المئة لدى الشبان السود أو ذوي الأصول المغاربية.
لطالما نفت الجمهورية الفرنسية الاتهامات الموجهة إليها بممارسة سياسة عنصرية ضد المهاجرين وأحفادهم الذين وُلدوا في فرنسا، ولكن العنف الشرطي هو أحد المؤشرات الأكثر وضوحاً على هذه العنصرية المُمأسسة ضد الجاليات ذات الأصول المهاجرة. من هذا المنطلق، قد لا تختلف جمهورية العلمانية والمساواة بشيء، على المستوى الرمزي أقله، عن الولايات المتحدة الأميركية ونظام الفصل العنصري فيها، حيث شكّل السود في عام 2016 «المجموعة الإثنية» الأكثر تعرضاً للقتل بالأسلحة النارية من قبل عناصر الشرطة في الولايات المتحدة. وتُذكّر عمليات قتل أداما تراوري، وأمين بنتونسي، وزياد وبونا، وعلي زيري، وكثيرين غيرهم، بطريقة قتل مواطنين أميركيين أفارقة في الولايات المتحدة، أبرزهم ترافيون مارتن، ومايكل براون، وإريك غيرنر، وآخرهم ستيفون كلارك، وهو شاب أسود وأب لطفلين أطلق عليه عناصر الشرطة الأميركية 20 رصاصة في حديقة منزله ظنّاً منهم بأنه يحمل مسدساً، في حين أنه كان يحمل هاتفه الجوال.
أمل بنتونسي التي أسست حركة «شرطتنا تقتل» (Urgence, notre police assassine) بعد وفاة أخيها الأعزل نتيجة إطلاق الشرطة النار عليه من الخلف، تقول: «نحن نحصي 15 حالة وفاة سنوياً». وقد حُكم الشرطي المسؤول عن قتل أخيها بالسجن مع وقف التنفيذ، ولكن بالنسبة إلى عائلات الضحايا فإنّ هذا الحكم، مهما كان مخففاً، يبقى انتصاراً على الحصانة التي يتمتع بها عناصر الشرطة. أما بما يخص أعمال العنف التي لا تؤدي إلى القتل، ففي عام 2015 وحده، تقدّم 18 قاصراً بشكوى إثر تعرّضهم إلى هكذا أعمال مارستها الشرطة بحقهم في المنطقة الإدارية 12 من العاصمة باريس، علماً أنّ عناصر الشرطة المُدعى عليهم يخضعون للمحاكمة حالياً. وفي مقطع فيديو نشره موقع «ميديابارت» الفرنسي، يمكن مشاهدة عناصر الشرطة يتحرشون جنسياً بهؤلاء القاصرين ويكيلون الإهانات والتهديدات عليهم، بالرغم من أنهم لم يرتكبوا أي مخالفة. لا بل إنّ الدولة نفسها، إثر إدانة المحكمة الدستورية لها في عام 2016 بممارسة العنف ضد ثلاثة رجال من أصول أفريقية أثناء تفتيشهم، دافعت عن نفسها بالقول إن القوى الأمنية امتلكت الحق في تفتيش المدّعين لأنّهم «من ذوي البشرة السوداء» ما أوحى لعناصر الشرطة بأنهم قد يكونون من المقيمين خلسة في البلاد. ولا شك أن دفاع الدولة عن نفسها قائم على قاعدة واضحة، مفادها بأنّ لون البشرة يبرّر لا التحقق من هوية الأشخاص من دون مسوّغ فحسب، بل التشكيك في انتمائهم إلى «الأمّة الفرنسية» أيضاً.

التمييز بين «الفرنسيين الأصيلين» و«الفرنسيين على الورق» ليس حكراً على اليمين المتطرف (لويس فيتير)

كيف يمكن، إذاً، فهم هذا الواقع في فرنسا، بلد إعلان حقوق الإنسان والمواطن، والبلد الذي تضمن فيه النصوص القانونية المساواة بين جميع المواطنين مهما كانت أصولهم الإثنية والاجتماعية؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال في أنّ فرنسا، ومنذ «زمن الاستعمار الجميل» (استعارة من أغنية «Temps béni des colonies» للمغني ميشيل ساردو)، إبّان الجمهورية الثالثة (رسمياً بين 1870 و1940)، طبّقت استثناءات تشرّع التمييز المؤسسي ضدّ من أتى به الاستعمار إلى فرنسا آنذاك، ومن ثم ضدّ أحفادهم.

ديمومة الاستعمار
الباحث المرجعي في دراسة «مسارات الهجرة»، الجزائري الراحل عبد المالك صيّاد، كان يُنبّه من «النظرة الأحادية» إلى المهاجرين، داعياً إلى النظر نحو مجتمعين (المجتمع الأصلي، ومجتمع الاستقبال)، أي بمعنى آخر: هو يحذِّرُ من نسيان كل المسار التاريخي للهجرة التي «لم تكن نتيجة تطور داخلي للمجتمع (الأصلي) بل تم إقحامها بصورة عنيفة من الخارج، من طرف الاستعمار». لعلّ تلك المسارات هي التي تقود المفكّر الفرنسي الجزائري سيدي محمد بركات، إلى القول في كتابه «جسم الاستثناء: ألاعيب قوى الاستعمار وتدمير الحياة»، إنّ «المجتمع الفرنسي مقسوم إلى مجموعتين: المجموعة الأولى هي المواطنون، والمجموعة الثانية هي أولئك الذين ما زالوا يعانون من التشكيك في انتمائهم إلى الأمة». ووفقاً له، فإنّ المستعمَرين الذين أصبحوا فرنسيين سوف «يستثنيهم القانون الفرنسي بسبب أصولهم». وفي الواقع، فقد تحوّل هذا الاستثناء الذي أُدخل في صلب النصوص القانونية، إلى معتقد سائد يتجاهل المسار التاريخي.
فُرِضت الهجرة بصورة عنيفة من الخارج، أي من قبل الاستعمار


وكما يُذكِّرُنا مهدي مفتاح، العضو في حزب «السكان الأصليون للجمهورية» (Indigènes de la République)، «لكي نفهم العنصرية في فرنسا اليوم، يجب العودة إلى تاريخها، أي تاريخ تجارة الرقيق والاستعمار وقانون الأهالي الذي حرم السكان الأصليين من الحقوق المدنية والسياسية. وبالرغم من إلغاء هذا القانون رسمياً، إلا أنّه في الواقع قد أرسى أسس العلاقة بين الدولة وسكانها ذوي الأصول المهاجرة، أي بين السكان الشرعيين وأولئك الذين يتم تحديد مدى انتمائهم إلى الأمة بناءً على ولاءاتهم». يضيف مفتاح أنّ فرنسا لا تزال قوة استعمارية، سواء في جزر الأنتيل أو في كاليدونيا الجديدة أو في مايوطة المحتلّة بالرغم من قرار الأمم المتحدة الذي يقرّ بملكية جزر القمر لها.
لكن لعلّ المثال الأبرز على ديمومة الاستعمار الفرنسي هو في أنّ «آليات السيطرة التي (كان) يخضع لها السكان المُستعمَرون وسياسات مكافحة التمرّد المُمارسة في المستعمرات، شكلت أساساً لتكوين الشرطة الفرنسية»، يقول مهدي مفتاح، قبل أن يشرح: «فلنأخذ مثالاً: من أمر بقمع مظاهرات 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 في باريس (أودت بحياة 300 شخص على الأقل) هو موريس بابون، الذي كان والياً يتمتع بصلاحيات واسعة في الجزائر، كما أنّه سيتم دمج آلاف الفرنسيين الذين خدموا في الجيش الاستعماري في القوى الأمنية بعد الاستقلال، وذلك للاستفادة من مهاراتهم في قمع الطبقات الشعبية والمهاجرين وإخضاعهم للتفتيشات. ولواء مكافحة الجريمة، الذي يُنشر في الضواحي، كان قد بُني استناداً إلى التجارب الاستعمارية». وفي الواقع، فإنّ الذي أنشأ أول فروع لواء مكافحة الجريمة عام 1971 في إقليمي باريس وسين سان دوني هو بيار بولوت، المسؤول الرفيع المستوى في المستعمرات الفرنسية سابقاً. لذا، «فإنّ هذه الممارسات تثبت النزعة الاستعمارية للسلطة الفرنسية؛ هذا هو المبدأ الذي يؤمن به حزب السكان الأصليين للجمهورية والحراك المناهض للاستعمار»، يختتم مهدي مفتاح.

«فرنسيون على الورق»
بعد ستين عاماً على انتهاء الاستعمار، فمن غير المستغرب، بناءً على ما تقدم، أن تطلق النائب في البرلمان الأوروبي، المنتمية إلى «حزب الجمهوريين» اليميني، والوزيرة السابقة نادين مورانو، (التي للمناسبة قالت إنّ لبنان ليس دولة عربية خلال زيارتها إلى بيروت في شهر آذار الماضي)، صفة «فرنسية على الورق فقط» على الصحافية والمناضلة ضد الاستعمار رقية ديالو، التي أُقيلت من منصبها في المجلس الرقمي الوطني الفرنسي بسبب استنكارها للعنف الذي تمارسه الشرطة وللعنصرية المنهجية السائدة في البلاد.

«العنصرية المُمأسسة»

تشمل «العنصرية المُمأسسة» في فرنسا حرية ممارسة الشعائر الدينية والحصول على السكن والعمل. ولعلّ الفرق مع الولايات المتحدة هو سُلّمي (أي في المستويات) وليس فرقاً في هياكل السيطرة والهيمنة. بلاد الأنوار «البيضاء» كما بلاد «العم سام»، بنت نظامها الاقتصادي على استغلال الجماعات المُسيطَر عليها، سواء كان ذلك في حقول القطن أو في المستعمرات القديمة. علاوة على أن موانئ فرنسا ازدهرت طويلاً من تجارة الرقيق... فيما يواصل أبناء هؤلاء دفع فاتورة الحداثة الغربية.


هذه العبارة البالية «من الثوابت في الخطاب القومي»، كما يشير المؤرخ جيل ريشارد، في مقابلة مع مجلة «نوفيل أوسرفاتور» في 27 شباط/فبراير الماضي، موضحاً أيضاً أنّ التمييز بين «الفرنسيين الأصيلين» و«الفرنسيين على الورق» ليس حكراً على اليمين المتطرف، بل إن كلاً من اليمين الذي يصف نفسه بـ«الجمهوري» واليسار (في سياق تاريخي أوسع) يؤمنان بالأصول البيضاء لفرنسا ولأوروبا عموماً. فعلى سبيل المثال، أعلنت مورانو، حين كانت وزيرة، أنّ الفرنسي «الصالح» يجب ألا يعتمر القبعة إلى الخلف، قائلة: «ما أريده من الشبان المسلمين هو ألا يتحدثوا باللغة العامية، وألا يعمتروا قبعاتهم إلى الخلف». ربما يبقى أن تزيد على توجيهها هذا: وإلا لقوا المصير نفسه كما ترافيون مارتين، الذي قُتل في الولايات المتحدة لأنه كان يرتدي سترة ذات قلنسوة. فلا يُسمح لمواطني الدرجة الثانية أن يرتدوا الملابس التي يريدونها أو أن يتحدثوا بلغتهم أو أن تكون لهم ثقافتهم الخاصة إلا بعد أن يتم «تبييضها»، أي أن يصبح غناء «الراب» بمثابة «موسيقى مدينية»، وأن يُسمّى الغرافيتي «فناً معاصراً»، وأن تتحوّل الفلافل إلى «طبق نباتي».
الممثل الأميركي جيسي وليامز، علّق على هذه الظاهرة خلال حفل جوائز شبكة التلفزيون السوداء للترفيه (BET Awards)، الذي يُقام سنوياً في لوس أنجلس لتقدير الممثلين الأميركيين الأفارقة، قائلاً: «لن نقف مكتوفي الأيدي بعد اليوم، فيما نتعرّض للإساءة ويتم استخدامنا كأدوات في الفبركات البيضاء، وفيما يتم تجاهلنا نحن السود ومصادرة ثقافتنا وأموالنا ومنتجاتنا الترفيهية. فهم يسجنوننا في الغيتو ويقلّلون من قيمة إبداعاتنا ويستطبقون مهاراتنا ويجرّبون أجسادنا كأزياء يرتدونها لبعض الوقت قبل أن يرموها كما لو كانت قشور ثمار غريبة»، مقتبساً العبارة من أغنية «ثمار غريبة» للمغنية الأميركية بيلي هوليداي، التي ألّفها الشاعر أبيل ميروبول عام 1946 استنكاراً لشنق السود في الأماكن العامة الذي كان يُمارَس في الولايات الأميركية الجنوبية، والذي كان يحضره السكان البيض مرتدين أفضل ما عندهم من ملابس. وتذكّرنا هذه الأغنية بما كانت تتعرض له أجساد السكان الأصليين من انتهاك، تارة عبر استعراضها بشكل شهواني وطوراً عبر معاقبتها.

معركة واحدة؟
في آذار/مارس 2017، شاركت الناشطة السياسية الأميركية وأيقونة المقاومة لدى الأميركيين الأفارقة والعضو السابق في حركة «الفهود السود» أنجيلا ديفيس، في «مسيرة الكرامة» في باريس، علماً أنها أيضاً ناشطة مؤيدة للقضية الفلسطينية. أما مغني «الراب» الأميركي الشهير فيك مينسا، فقد نشر مقالاً قبل بضعة أسابيع، في الـ«تايمز»، يُقارن فيه بين الأميركيين الأفارقة والفلسطينيين: «إنّ أوجه الشبه بين تجربة الأميركيين السود والتجربة الفلسطينية كثيرة جداً. ففيما كنت أحدّق في خزان مياه تملؤه الديدان على سطح منزل متهاوٍ في مخيّم عايدة للاجئين الفلسطينيين (قرب بيت لحم)، حضرت إلى ذهني مشاهد المياه الملوثة بالرصاص التي تصل إلى الناس بلون الصدأ في مدينة فلينت في ولاية ميشيغان الأميركية. فالسود في الولايات المتحدة يعانون، كما الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلّة، من القمع عبر السجن والتمييز العنصري واستهداف الشباب. والفرق الوحيد الذي أراه بين القمع الذي نتعرض له نحن في الولايات المتحدة ومعاناة الفلسطينيين هو التمييز العلني الذي يصل حد الوقاحة في الضفة الغربية المحتلّة. ومهما تحدّثنا عن الدولة البوليسية المجازية التي تقمع السود في الولايات المتحدة، يبقى القانون العرفي واقعاً ملموساً لا مفرّ منه في فلسطين».


في ضوء ذلك، قد يكون مشروعاً السؤال ما إذا كانت المعركة هي نفسها في كل من الولايات المتحدة وفرنسا وفلسطين. يقول مهدي مفتاح في هذا الصدد: «بالرغم من الاختلاف الواضح في السياق، نحن نواجه سلطة بيضاء بُنيت أساساً على الاستعباد والهجرة، وهي تقمع السكان ذوي البشرة الملونة وتعاقبهم وتقتلهم، سواء أكانوا أميركيين أفارقة ولاتينيين في الولايات المتحدة، أو عرباً وسوداً في أوروبا. وتتجلى التراتبية العرقية بشكل واضح جداً: ففي أعلى الهرم لدينا البيض، الذين ينعمون بشتى الامتيازات، أما غير البيض فيقبعون في أسفل الهرم ويتم التعامل معهم كما لو كانوا غير موجودين على الإطلاق. لذا، فإن جوهر الاستعمار هو نفسه. لهذا السبب نولي القضية الفلسطينية هذا القدر من الاهتمام، فالعدو واحد في نهاية المطاف: الاستعمار الأبيض وربيبته إسرائيل.
آليات السيطرة التي كان يخضع لها المُستعمَرون شكلت أساساً لتكوين الشرطة

والأمر المهم في مواجهة هذا الكيان الاستعماري الواحد هو توحيد النضال. فمع كل انتصار تحققه المقاومة الفلسطينية واللبنانية، يتغيّر ميزان القوة لصالحنا. هذا هو سبب زيارة مالكوم إكس ومارتن لوثر كينغ لأفريقيا بعد زوال الاستعمار، فهما قد أدركا أنّ مصائرنا جميعاً ترتبط ببعضها. إنّ تحرير فلسطين يساهم في تحريرنا نحن سكان أوروبا الآتين من المستعمرات. لهذا السبب، سوف ننظّم مؤتمر باندونغ الشمالي في أيار/مايو المقبل بحضور أنجيلا ديفيس إلى جانب مشاركين فلسطينيين وعراقيين».



«وهم انتهاء الاستعمار»
في عام 2013، أجرت جريدة «لومانيتيه» الفرنسية، مقابلة مع الباحثة المتخصصة في دراسات ما بعد الاستعمار فرنسواز فيرجيس، التي تقول: «منذ عام 1962، أي مع انتهاء حرب الجزائر، انتاب فرنسا وهم انتهاء التاريخ الاستعماري، ما قاد نحو الانطواء داخل أوروبا، ونحو فرنسا (متخيلة) بيضاء ومسيحية. في ذلك الزمن، نسيت فرنسا الأراضي التي احتفظت بها في المحيط الهادئ، الكاريبي، أميركا الجنوبية، في المحيط الهندي أو في أميركا الشمالية، واستمر المنتصرون في كتابة التاريخ، فمُحِي تاريخ ضحايا الدولة الفرنسية. ويعود ذلك بلا شك إلى صعوبة الاعتراف بأنّ تشويه الشعوب ونهبها، كانت سياسة دولة». يسألها محاورها: «عند الحديث عن الذاكرة، فإننا نحيل على الماضي. لكن هل لا يزال منطق الاستعمار حاضراً؟»، فتجيب: «نعم... توجد أيضاً أشكال جديدة من الاستعمار. يوجد ماض وحاضر.... ويوجد عمل كبير لتصفية الاستعمار، يجب على المجتمع الفرنسي مباشرته».