القاهرة | أثارت موافقة مجلس النواب المصري على «قانون تأجير المستشفيات الحكومية» للقطاع الخاص، موجة من ردود الفعل الغاضبة، والمحذّرة من خطورته على منظومة الصحة في مصر، كونه يقلّص من حقوق المواطنين في الحصول على العلاج المدعوم من الدولة، ويهدّد مصير الكوادر الصحية في المنشآت التي تنوي الحكومة تأجيرها. إذ يمنح القانون الذي مرره المجلس على عجل، الإثنين الماضي، ومن دون مناقشات موسعة، الحكومة، صلاحية «تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية»، أي إدارة المستشفيات الحكومية وتشغيلها من قِبل القطاع الخاص، رغم الاعتراضات الواسعة التي أبدتها «نقابة الأطباء» على القانون. وعلى خلفية هذه الانتقادات، سارعت الحكومة إلى تبرير تمرير القانون بذريعة أنه يهدف إلى مشاركة القطاع الخاص في «تحسين جودة» خدمات الرعاية الصحية المقدمة. وقال المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، في بيان، إن «القانون يهدف إلى السماح للقطاعين الخاص والأهلي بالمشاركة في المجال الصحي عبر إنشاء المنشآت الصحية الحكومية وتطويرها»، نافياً ما يجري تداوله حول «عرض 160 مستشفى في 22 محافظة على القطاع الخاص»، ومؤكداً، في الوقت نفسه، أن المستشفيات الحكومية «ستظل مملوكة للدولة، مع استمرارها في تقديم كل الخدمات الصحية للمواطنين بشكل طبيعي ومنتظم».
على أن الواقع يقول إن إقرار «قانون التأجير» يستبطن محاولة جديدة من الدولة للتخلي عن إدارة المستشفيات التي تعاني من مشكلات مزمنة، والتحايل على تباطؤ تنفيذ منظومة «التأمين الصحي الشامل» التي لم يزِد عدد المستفيدين منها على 6 ملايين شخص فقط، في وقت كان يفترض فيه أن يكون عدد المستفيدين ثلاثة أضعاف ذلك الرقم. هكذا، يتيح القانون، للحكومة، الاستمرار في التخلي عن دورها في توفير العلاج المجاني، خلافاً للمادة 18 من الدستور التي تنص على التزام الدولة بالحفاظ على المنشآت الصحية ودعمها وتقديم الخدمات الصحية طبقاً لمعايير الجودة، فضلاً عن إنفاق ما لا يقل عن 3% من الناتج القومي على الصحة، علماً أن الحكومة لم تلتزم أساساً بهذه النسبة، رغم انقضاء مهلة السنوات الثلاث التي حددها الدستور لـ«توفيق الأوضاع»، فيما يدافع الرئيس المصري عن تلك المخالفة الدستورية، بـ«عدم وجود موارد مالية كافية».
الواقع أن إقرار «قانون التأجير» يتيح للحكومة الاستمرار في التخلي عن دورها في توفير العلاج المجاني، خلافاً للدستور


ورغم أن القانون ينص على توفير الخدمات العلاجية لجميع المرضى بالأسعار الحكومية المحددة من وزارة الصحة، على أن تقوم الحكومة بتسديد الفارق بين ما يدفعه المواطن، وتكلفة الخدمة الطبية التي يطلب المستثمر الحصول عليها، فإن ذلك يبدو غير واقعي في ظل العجز المالي. كما أن تخصيص نسبة من أسرّة المستشفيات لمرضى التأمين الصحي، والذي ينص عليه القانون، لن يكون مجدياً، نظراً إلى أن المستشفيات الحكومية تعاني أساساً عجزاً في عدد الأسرّة والذي لا يتناسب مع عدد المرضى، فيما حتى لو بادر المستثمر إلى زيادة هذا العدد، فإنه يبغي الربح في نهاية المطاف. ويضاف إلى ما تقدّم، أن جعل 30% من المستشفى، مثلاً، يعمل بنظام القطاع الخاص، من شأنه أن يزيد من كلفة الخدمات المقدمة، ويهدّد، في المقابل، مصير المرضى من ذوي الدخل المحدود، علماً أن القانون لا يضمن التزام المستثمر بتقديم الخدمات الصحية التي تحددها الدولة في كل منشأة، أو حتى التي تقوم المستشفيات بتقديمها حالياً، من دون انتقاص أو تغيير.
أيضاً، يتضمن القانون عدة بنود أخرى مثيرة للقلق بالنسبة إلى الكوادر الطبية العاملة في المستشفيات. إذ تنص مواده على إلزام المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25 في المئة، ما يعني أن له الحق في الاستغناء عن 75% من العاملين واستقدام غيرهم، بمجرد إبرام التعاقد. كما تمنح بنوده، رئيس الوزراء، الحق المطلق في منح الامتياز للمستثمرين المصريين والأجانب لمدة تراوح بين 3 و15 عاماً، يكون فيها المستثمر مسؤولاً بشكل كامل عن تشغيل المستشفى وإدارتها واختيار العاملين فيها، مع أحقيته في زيادة عدد الأسرّة بهدف تعزيز العائدات المالية من التشغيل، ولو على حساب ذوي الدخل المحدود. كذلك، يترك القانون لرئيس الوزراء التقدير في إبرام التعاقدات مع المستثمرين، علماً أن هؤلاء، وخصوصاً الإماراتيين والسعوديين، يضعون أعينهم على مستشفيات محددة موجودة في أكثر من موقع متميز، في قلب القاهرة الكبرى، كانت قد عانت من الإهمال لسنوات.
وفي هذا الوقت، تترقب «نقابة الأطباء» التي قدمت الكثير من الاعتراضات على القانون، قبل إقراره وبعده، اللائحة التنفيذية التي ستصدرها الحكومة، بما يشمل ضوابط إلغاء امتياز الإدارة للمستثمر وشروطه، علماً أن شركات كبرى معنية بالاستثمار في القطاع الصحي طلبت بنوداً تفصيلية حول ذلك، بخاصة بشأن المبالغ التي سيتم سدادها للحكومة، وألا تكون دفعة واحدة مع إطالة مدة الامتياز الخاص بالتأجير، وعدم احتساب مدة أعمال التطوير والتسليم والتسلم ضمن تلك المدة. والجدير ذكره، هنا، أن الإجراءات التي يتوجب على المستثمر اتخاذها حال لم تقم الحكومة بسداد حصتها لمصلحته في المواعيد المحددة، لم تتضح، فيما لا شكّ في أن عجز الحكومة عن السداد من شأنه أن يتيح بيع المنشآت الصحية للقطاع الخاص بشكل كامل.