القاهرة | قبيل تسلّم موظفي الدولة رواتبهم لشهر آذار الجاري، والتي تتضمّن زيادات أقرّها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الشهر الماضي، سيكون من شأن الزيادات المتوقعة في الأسعار خلال الأيام المقبلة، والتي قد لا تقل عن 20%، إثر تطبيق الحكومة زيادة في أسعار المحروقات بنسب تصل إلى أكثر من 33%، أن تلتهم قيمة الزيادة المفترضة على الرواتب، إذ أعقبت التحريك الأخير لأسعار المحروقات، الخميس الماضي، والذي جاء بعد أقل من أسبوعين على تخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنحو 50%، زيادة في تعرفة المواصلات، أمس، وسط توقعات بتأثير هذا القرار على خدمات استهلاكية أخرى، ولا سيّما أن الزيادات الأكبر استهدفت «السولار» الذي يستخدم في نقل البضائع (بواقع جنيه و75 قرشاً)، فضلاً عن «الكيروسين» الذي يستخدم في المخابز بصورة كبيرة، وهو ما يعني ارتفاع كلفة الخبز غير المدعوم، فيما قررت الحكومة تحمّل فارق الزيادة لمصلحة المخابز التي توفّر الخبز المدعوم.وفيما ولّد القرار، فور إعلانه، استياءً شعبياً، سعت السلطات الرسمية إلى تبريره بداية بالقول إنها اتخذته «بعد تأجيلات لأشهر بسبب الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد»، مشيرة إلى أن هذه الأزمة «جرى حلها بشكل كبير في الأسابيع الماضية»، وسط تأكيدها الاستمرار في دعم المحروقات وبعشرات المليارات من الجنيهات، وهو «أمر لا تقوم به كبرى دول العالم»، حسبما تدّعي. وفي السياق، أفادت مصادر مطلعة، «الأخبار»، بأن أجهزة الدولة أوردت في «التنبيه الإعلامي» الذي عمّمته على وسائل الإعلام الخاصة بها، «ضرورة إبراز وجود زيادة في أسعار النفط عالمياً، لتبرير زيادة أسعار المحروقات في مصر، استناداً إلى ظاهرة عالمية، مع الإشارة إلى معلومات عن توقعات بزيادة كبيرة في الفترة المقبلة».
وتأتي هذه الزيادات على الرغم من إعلان خطة للإصلاح الاقتصادي، تستهدف خفض معدلات التضخم التي تجاوزت الشهر الماضي حاجز الـ 35%، وسط توقعات بزيادتها إلى أكثر من 40% على أقل تقدير، نتيجة الزيادة غير القانونية التي أقرّت في أسعار المحروقات، علماً أن القانون ينصّ على عدم تجاوز نسبة عملية الزيادة أو التخفيض الدورية، والتي تجري 4 مرات سنوياً، حاجز 10% صعوداً وهبوطاً. على أن الحكومة لم تلتزم بهذا الحاجز، في ظل الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه ومحاولة تخفيض فاتورة الدعم المخصص للمواد البترولية إلى أقل من 125 مليار جنيه في موازنة العام الحالي. وهكذا، جاءت زيادة أسعار المحروقات لتعويض فارق سعر الصرف فقط، مع استقرار أسعار النفط عند الأرقام التقريبية نفسها الموجودة في الموازنة المالية الحالية (حوالي 85 دولاراً للبرميل)، خلافاً لما روّجت له الحكومة عبر مختلف الوسائل الإعلامية.
وولّدت زيادة أسعار المحروقات، اشتباكات ومشاحنات بين الركاب والسائقين في عدة مناطق، على خلفية غياب تعريفات محددة للنقل، تتساوق مع الزيادة. وعلى خلفيّة ذلك، خرج محافظ القاهرة، اللواء خالد عبد العال، ليقول إن تعريفة الركوب الجديدة جاءت «لتراعي مصلحة المواطن والسائق»، معلناً أنه «تم التنسيق مع المحافظات المجاورة التى ترتبط مع المحافظة (القاهرة) بخطوط سير لضمان توحيد التعريفة فى الجانبين لمنع استغلال المواطنين»، مضيفاً أنه تم تخصيص رقمين ساخنين «لتلقي شكاوى المواطنين لاتخاذ الإجراءات اللازمة». وجاء هذا في وقت يجري فيه الحديث عن زيادة جديدة في أسعار الكهرباء مع بداية شهر تموز المقبل، وهي زيادة لم تحدد في انتظار قرار سيادي، وخصوصاً أنها يفترض أن تكون كبيرة بالنسبة إلى الفئات الأقلّ دخلاً.
بالنتيجة، يدفع المصريون ثمن السياسات الاقتصادية الخاطئة التي ينفذها النظام؛ إذ تلتهم الزيادة الجديدة من قيمة أجور المصريين مع ارتفاع كلفة الحياة، وانخفاض قيمة الحد الأدنى للأجور في القطاع العام ليكون أقل من 130 دولاراً بالسعر الرسمي، بينما أصبح الحد الأدنى في القطاع الخاص عند حاجز 80 دولاراً، وسط فشل السلطات في إلزام الشركات الخاصة بزيادة الحد الأدنى، رغم معدلات التضخم غير المسبوقة، وتخطّي الزيادة المطّردة في أسعار بعض السلع، في غضون أسابيع، الـ 500%. ويبدو واضحاً أن زيادة أسعار المحروقات ستكون تداعياتها الاجتماعية أكبر من تداعيات تحريك سعر الصرف، في ظل زيادة كلفة الحياة اليومية ومحدودية الأجور.