القاهرة | فيما عادت مصر إلى فتح قنوات على خط الأزمة السودانية، سعياً إلى دور أكبر في الوساطة بين طرفَي النزاع في السودان، المتمثلين بالجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، من أجل وقف الحرب، زار وفد من «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدّم) السودانية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، عبدالله حمدوك، المقيم في الإمارات، القاهرة، في ما عكس رغبة مصرية في إحداث اختراق في العلاقة مع قائد «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي). ويجيء ذلك بعدما احتضنت القاهرة اجتماعاً لـ«الآلية الأفريقية» الرفيعة المستوى بشأن السودان، مع ممثلين من «حزب المؤتمر الوطني» المحلول الحاكم سابقاً. كما يأتي عقب زيارة أجراها رئيس «مجلس السيادة» السوداني، عبد الفتاح البرهان، أواخر الشهر الماضي، إلى القاهرة؛ وبعدما صوّت مجلس الأمن الدولي، بأغلبية أعضائه، الخميس الفائت، على قرار يدعو الأطراف المتقاتلة في السودان إلى تبنّي وقف فوري للأعمال العدائية.وبحسب مسؤولين مصريين مطّلعين، فإن زيارة حمدوك الذي سبق أن نسج تفاهمات مع «الدعم السريع»، تخللتها «لقاءات عدة غير معلنة لمناقشة مستقبل السودان وفقاً لما تراه القاهرة»، من بينها لقاء الوفد بمدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، ولقاء مع المسؤولين عن الملف السوداني، بعدما تعثّرت آلية اجتماع «دول الجوار»، والتي استضافتها مصر الصيف الماضي. وجرى خلال اللقاءات «الاستماع من حمدوك إلى ما يمكن أن يبذله من محاولات في سياق الحلحلة»، ترى القاهرة أنه «يجب القيام بها سعياً إلى وقف إطلاق النار في السودان». وبعيداً من التصعيد الكلامي بين حميدتي والبرهان، أفاد المسؤولون بأن ما عرضه حمدوك في القاهرة قد يكون بمثابة «أول خطوة نحو تقريب وجهات النظر بين الرجلين»، إذ عكست مناقشات الغرف المغلقة توافقاً ممكناً، ربما يقفز على ما تحقّق في «منبر جدة»، عبر إيقاف الحرب، والبدء بمسار سياسي، مع إعادة هيكلة للجيش السوداني، علماً أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أطلع البرهان، في اتصال هاتفي بينهما، على نتائج الزيارة.
تسعى القاهرة إلى إيجاد ضمانات لبدء المسار السياسي الذي يتيح تشكيل حكومة تكون مقبولة من كلّ الأطراف


وعلى الرغم من أن زيارة وفد «تقدّم» لمصر جاءت بعد زيارات لعدة دول تخللتها لقاءات مع عدة مسؤولين، إلا أن تواجد الوفد في القاهرة حمل دلالات عدة، من بينها الانفتاح المصري على المكوّن المدني في السودان، بعدما فضّلت القاهرة الرهان طوال الوقت على العسكريين، وعمدت في السابق إلى استقبال قائد الجيش فقط، فضلاً عن «التنسيق مع الإمارات والسعودية حول تفاصيل عدة لبلورة رؤية مشتركة لوقف الحرب». على أن ما تلقّاه حمدوك من دعم مصري لتحركاته مرهون بقدرته على الحفاظ على كيان «تقدّم»، التي تضم أحزاباً وتيارات مختلفة، موحّداً، من دون انقسامات، الأمر الذي يشكّك المصريون في إمكانية استمراره. وبالتزامن، قبلت مصر تقديم تنازلات من أجل التعاون والتنسيق مع «الدعم السريع»، خلافاً لمواقف سابقة رفضت فيها الأمر، وهو ما يعكس رغبة واضحة في تسهيل التوافق، علماً أن السيسي أكّد للبرهان أن هذا التوافق «لن يكون على حساب الدعم المصري للجيش السوداني».
من وجهة النظر المصرية، تبدو فرصة قبول حمدوك كوسيط في الوقت الحالي هي النقطة الأهم، وسط تأكيد القاهرة أن استقرار الأوضاع في السودان «لا يمكن تحقيقه من دون الوصول إلى رؤية توافقية»، مع استنفاد المسارات العسكرية تقريباً، وتفاقم الأزمة الإنسانية بصورة غير مسبوقة، فضلاً عن مخاوف التفكك. ومع ذلك، لا يزال طرح إعادة دمج «قوات الدعم السريع» مع الجيش مستبعداً في المرحلة الأولى، لكنّ ثمة اتفاقاً على تجاوز بعض النقاط الخلافية مرحلياً، بما يتيح «وقفاً فورياً لإطلاق النار وإبقاء الوضع كما هو عليه من دون تغيير عسكري، والبدء في عمليات تنسيق لضبط الأمن في العاصمة»، على أن يكون هناك جدول زمني يمهد الطريق لانتخابات تنهي النظام القائم، وتدفع برئيس جديد إلى السلطة في غضون 3 أعوام كحدّ أقصى، وهي المدة التي يجري الحديث عن تقليصها أيضاً.
وعلى خطّ مواز، تسعى القاهرة إلى إيجاد ضمانات لبدء المسار السياسي الذي يتيح تشكيل حكومة تكون مقبولة من كلّ الأطراف، على أن تكون مسألة إعادة تنظيم الجيش منصوصاً عليها في الدستور، وتُترك تفاصيلها للرئيس المقبل للبلاد، مع ضمان خروج آمن للعسكريين المتنازعين حالياً، ضمن صفقة أوسع تشمل طي صفحة الجرائم التي ارتُكبت خلال الحرب. وكان مساعد القائد العام للجيش وعضو «مجلس السيادة»، الفريق ياسر العطا، نقل عن البرهان قوله إن «التفاوض سيكون فقط لتطبيق العدالة، ومن تثبت براءته من الجرائم المنسوبة إلى قوات الدعم السريع يتمّ النظر في تسريحه أو دمجه».