القاهرة | بعدما خفضت الحكومة المصرية سعر صرف الجنيه، بنحو 60% منتصف الأسبوع الجاري، للمرة الرابعة في خلال 8 سنوات، زادت مخاوف الإخفاق مجدداً، وسط توقعات باللجوء إلى تخفيض آخر، إثر الاضطرابات الحاصلة في السوق نتيجة حركة العرض والطلب. إذ تعتمد الحكومة، في الوقت الراهن، على تحويلات المصريين في الخارج وتحسن إيرادات «قناة السويس»، من أجل تحسين الأرقام الاقتصادية، وسط عجز «البنك المركزي» عن التدخل في سعر الصرف، وتركه إياه يتحرك وفق حركة العرض والطلب، وفي ظل استمرار القيود على التدخلات الحكومية في سعر الصرف، علماً أن ذلك يأتي وفقاً لإملاءات «صندوق النقد الدولي»، وبعض الجهات الأجنبية المانحة لاستثمارات وقروض. ويشير الواقع الاقتصادي الحالي، على الرغم من سعي الحكومة إلى إشاعة الأجواء الإيجابية، إلى استفحال اضطرابه. فقد سارع التجار إلى وقف احتساب أسعار السلع بالجنيه والبدء في احتسابها بالدولار حصراً، إلى حين استقرار سعر الصرف، وسط توقعات بأن يسجل الأخير نحو 55 جنيهاً أمام الدولار، بينما تراوح حتى أمس، عند متوسط 49.5 جنيهاً في غالبية البنوك. وبالتوازي، تشهد السوق السوداء انتعاشة كبيرة وسط ما توفّره هذه الأخيرة لحائزي الدولار، من أسعار صرف أعلى من البنوك، التي لا تزال تفرض قيوداً على السحب، رغم التعديل الطفيف الذي أجرته على حدود استخدام البطاقات الائتمانية، بعد قرارات «المركزي» الأخيرة. وفيما يزعم مسؤولو «المركزي» أن تلك القرارات كفيلة بالقضاء على السوق الموازية، إلا أنها لم تكُن كذلك لعدة أسباب، في مقدمتها عدم ثقة المواطنين بقرارات الحكومة، فضلاً عن احتياج المسافرين إلى العملة، في ظل القيود البنكية التي تمنع الحصول على الدولار، وإغلاق البنوك لإمكانية استخدام بطاقات الحسابات البنكية بالعملة الأجنبية، في عمليات شراء أي شيء من خارج مصر، وهو ما يعني، في المحصلة، استمرار غياب سعر الصرف العادل حتى اللحظة.
تسعى الحكومة إلى إبرام مشاريع استثمارية مع دول الخليج، وفي مقدمتها مشروع ضخم في سيناء مع السعودية


في هذا الوقت، لا تزال إجراءات تحريك سعر الصرف ومحاولة تثبيته بشكل غير مباشر، مستمرة؛ في ظلّ حاجة الحكومة إلى توفير السيولة من الدولار، لا سيّما وأن الأموال التي قال محافظ «المركزي» إنها تكفي سداد الالتزامات على الدولة المصرية، لن تكفي لتلبية سائر الاحتياجات الداخلية. إذ خلافاً لعملية الإفراج عن السلع والمستلزمات الأساسية المقدرة بنحو 8 مليار دولار، هناك حاجة إلى تدبير أكثر من ضعف هذا الرقم، لمستلزمات أخرى، في ظل تراكم البضائع على مدار الأشهر الماضية في الموانئ. وفي هذا الجانب، يسعى المسؤولون الحكوميون إلى توفير الدولار للأولويات، الأمر الذي يعني استمرار التعامل بالسوق الموازية، لكن بفوارق أقل في سعر الصرف، قد لا تزيد عن 20% في المرحلة الأولى، خصوصاً مع القبضة الأمنية الصارمة وعمليات ملاحقة تجار العملة، فضلاً عن وعود للتجار والمستوردين بتدبير العملة على مدى زمني أوسع. ولتحقيق هذا «الاستقرار المؤقت»، على الرغم من استمرار تراجع عائدات «قناة السويس»، والتأثر المحتمل تزايده على القطاع السياحي، تعوّل الحكومة على الاستثمارات الساخنة التي يتوقع دخول أموالها خلال الأسابيع المقبلة، وسط استمرار منح الفائدة المرتفعة. كما تعول على جذب شركات عالمية لإقامة مصانع في مصر على خلفية رخص الأيدي العاملة، في ظل تدني الحد الأدنى للأجور عن 80 دولار شهرياً في مصانع القطاع الخاص، فضلاً عن مشاريع استثمارية أخرى تسعى الحكومة إلى إبرامها مع دول الخليج في مقدمتها مشروع ضخم في سيناء مع السعودية.
ويأتي ما تقدّم علماً أن التصورات الحكومية فشلت في تحقيق أي من مستهدفاتها، في ما يتعلق بشجيع الصناعة الوطنية وغيرها من الأمور التي تقول إنها ستحقق استدامة في توفير الموارد الدولارية. ورغم توقعات الحكومة بسعي المواطنين للتنازل عن الدولار الذي قاموا بشرائه من السوق السوداء في الفترة الماضية من أجل الحصول على الجنيه، والاستفادة من العوائد المرتفعة للشهادات الاستثمارية التي جرى طرحها في البنوك بفائدة 30% تناقصية لمدة ثلاث سنوات، فإن هذه التوقعات لا تزال في انتظار مزيد من التطمينات، كي تؤمن سيولة الدولار بصورة أكبر. وفيما تقدر بنوك استثمار دولية تحسّن قيمة الجنيه أمام الدولار، ليسجل متوسط 42 جنيهاً بحلول العام المقبل، يرهن أصحاب هذه التقديرات التحسن المأمول بمدى التزام الحكومة و«المركزي» بما جرى الاتفاق عليه مع «صندوق النقد»، والدائنين الدوليين، وسط تدفق أكثر من 50 مليار دولار إلى الحكومة في غضون ثلاثة أشهر فقط. والجدير ذكره، هنا، أن الحكومة التزمت بإعلان إيقاف المشروعات التنموية التي تقل فيها نسبة الإنجاز عن 70%،، والاستمرار في برنامج الطروحات الحكومية المتوقع أن يدر نحو 15 مليار دولار إضافية على الأقل، في وقت لا يزال فيه هناك تشكيك في مدى التزامها بتعديل موازنة العام المالي المقبل، وفقاً للتصورات التي جرى إعدادها.