القاهرة | كما كان متوقعاً، نفّذت الحكومة المصرية مخطط صفقة بيع منطقة «رأس الحكمة» في الساحل الشمالي، والذي يستهدف، وفق رؤيتها، إنقاذ الاقتصاد المصري، عبر استحواذ «صندوق أبو ظبي» السيادي على المنطقة، بشروط إماراتية. وعلى الرغم من تواتر الأحاديث حول الاتفاق الذي جرت بلورته على مدى أسابيع، إلا أن موعد تنفيذه ظلّ طيّ الكتمان، إلى حين التوقيع عليه، يوم الجمعة الماضي، في مقر مجلس الوزراء في العاصمة الإدارية الجديدة. وفيما لم تفصح الحكومة عن كامل تفاصيل الصفقة، التي وصفتها بـ«أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ البلاد»، وطبيعة المشاريع الاستثمارية التي سيجري تنفيذها، يُنظر إلى هذه الأخيرة بحذر شديد، رغم الحديث عن حصة حكومية بنسبة 35% ستدفع بالكامل من عائدات تشغيل المشروع في غضون شهرين، فيما يتحدث الإماراتيون عن ضخ 150 مليار دولار في المنطقة، ضمن خطة تطوير تستمر لمدة 15 عاماً. وفي التفاصيل التي أعلن عنها رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، في المؤتمر الصحافي الذي عقده عقب مراسم التوقيع، فإن الصفقة ستتضمّن «استثماراً أجنبياً مباشراً بقيمة 35 مليار دولار خلال شهرين»، و«سوف تقسّم على دفعتين: الأولى، بقيمة 15 ملياراً خلال أسبوع (10 مليارات دولار سيولة و5 مليارات تنازل عن الودائع)، والثانية 20 ملياراً ( 14 مليار دولار سيولة، و6 مليارات تنازل عن الودائع)، ليكون ‏صافي المُدخل الدولاري الجديد 24 مليار دولار». كما أشار مدبولي إلى أنه سيتم «استخدام 11 مليار دولار» من الودائع المذكورة في «البنك المركزي المصري»، ليتم «خصمها من الدين الخارجي للدولة وإتاحتها سيولة للبنك المركزي لاستخدامها في التعامل مع مشكلة النقد الأجنبي».
والجدير ذكره، هنا، أن قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة للصفقة تعادل ما عملت مصر على جذبه بشكل سنوي لمدة 4 أربع سنوات تقريباً، فيما سيتزامن ضخ أموال الصفقة مع الإعلان عن استئناف برنامج التمويل من «صندوق النقد الدولي»، وزيادة قيمة القرض لتصل إلى نحو 9 مليارات دولار على الأقل، إلى جانب اتفاقيات للشراكة مع «الاتحاد الأوروبي» بقيمة تقترب من 10 مليارات دولار خلال السنوات المقبلة. وعبر هذه الأموال التي يتوقع الإعلان عن تدفقها خلال العام الجاري، يتوقع النظام المصري تعافياً جزئياً من الأزمة الاقتصادية الخانقة، والتي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل حاد إلى أرقام قياسية، وزيادة في الأسعار سبّبت حالة من الغضب والاحتقان تجاه السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة.
قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة للصفقة تعادل ما عملت مصر على جذبه في 4 أربع سنوات تقريباً


وعلى الرغم من أن الاتفاق دفع سعر الجنيه في السوق الموازية إلى التهاوي بشكل سريع، حيث سجل أدنى من 50 جنيهاً للدولار الواحد للمرة الأولى منذ شهور، إلا أن هذا التراجع في السعر غير الرسمي صاحبه تمسك بالسعر الرسمي عند حدود الـ 31 جنيهاً لكل دولار. وفي وقت لاحق، بدأت آثار انتعاشة «الصفقة الكبرى» تترجم اقتصادياً، مع استمرار ارتفاع الجنيه أمام الدولار والتخفيض الفوري لسعر الذهب الذي يجري تسعيره على أساس الدولار في السوق الموازية، بالإضافة إلى تزايد الرهان على تحريك محدود لسعر الصرف بناءً على السيولة الدولارية الجديدة المتوافرة لدى «البنك المركزي»، مع تحويل الدولارات الإماراتية على أساس سعر الصرف الرسمي في الأيام المقبلة. وبالتزامن مع ذلك، عقد رئيس الوزراء اجتماعات متلاحقة من أجل البدء في الإفراج عن السلع الموجودة في الجمارك، وإتاحة الدولار مجدداً للمستوردين في أسرع وقت، لتوفير السلع غير المتوافرة في الأسواق بعد شهور من الاضطرابات التي أدت إلى إغلاق عملية الاستيراد تقريباً.
وعلى خط مواز، بدأت مصر التواصل مع مسؤولي «صندوق النقد الدولي»، لإطلاعهم على الصفقة وتفاصيلها التي تتضمن استثماراً مباشراً يوفر عجز الموازنة، ويتيح المزيد من الوقت أمام الحكومة لإتمام عمليات بيع الشركات الحكومية التي واجهت عقبات كبيرة في الشهور الماضية. ويأتي تواصل الحكومة مع الصندوق في وقت توقّع فيه بنك «جي بي مورجان» تحريك سعر الصرف في مصر، ليتراوح الدولار بين 45 و50 جنيهاً، مع زيادة في سعر الفائدة 2% لتصل إلى 23.5%. كما توقع أن يسهم التخفيض في قيمة الجنيه في إبطاء وتيرة التضخم خلال الفترة المقبلة، إلى جانب جذب مزيد من الأموال الساخنة. وفي السياق نفسه، قال مدير إدارة «الشرق الأوسط وآسيا الوسطى» في «صندوق النقد الدولي»، جهاد أزعور، إن مرونة سعر الصرف مسألة أساسية لحماية الاقتصاد المصري من الصدمات الخارجية، وخاصة أن الأعوام الأخيرة شهدت صدمات أثّرت على الاقتصاد المصري وغيره من الاقتصادات، مؤكداً أن هذه السياسة تصاحبها إجراءات مالية لتقليل التضخم الذى يعدّ مرتفعاً نسبياً فى مصر، وهي مشكلة عالمية وإقليمية.