القاهرة | منذ بداية العام الجديد، استيقظ المصريون على قرار مفاجئ يقضي بزيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق بنسبة 20% على الأقل، في خطوة أرجعها وزير النقل، كامل الوزير، إلى الرغبة في تغطية خسائر المترو وتغطية رواتب الموظفين العاملين فيه، بالتزامن مع افتتاح 4 محطات جديدة جرى إنشاؤها على مدى السنوات الخمس الماضية. ولم تكُن هذه الزيادة الوحيدة التي تلقّاها المصريون، بل تزامنت مع قرار آخر بزيادة أسعار خدمات الإنترنت، والتي وافقت الحكومة عليها، بعدما طالبت بها شركات الاتصالات على خلفية «تراجع أرباحها»، وسط زيادة كلفة الخدمات الخاصة بالتشغيل. كما اعتمدت الحكومة زيادة أسعار الكهرباء المؤجلة من شهر تموز الماضي، لتدخل حيز التنفيذ، توازياً مع إعداد برنامج جديد لرفع الدعم بشكل كامل عن قطاع الكهرباء، علماً أن الخطة السابقة تعرقلت عدة مرات على خلفية تخفيض سعر الصرف وزيادة كلفة التشغيل.ووفق مصادر تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن التوجه لدى الحكومة في الوقت الحالي «مرتبطٌ برغبة في إقرار حزمة برامج حماية اجتماعية، يتبعها تحريك لسعر الصرف بشكل رسمي لتقليص الفجوة بين السعرين الرسمي وغير الرسمي للدولار وليس القضاء عليها»، إلى جانب «إعداد برنامج يتضمن زيادة قرض صندوق النقد الدولي المتعثر من 3 مليارات إلى 6 مليارات دولار على الأقل». وتضيف المصادر أن الحكومة «تتوقع قفزة في معدلات التضخم؛ ليس فقط بسبب زيادة الأسعار، ولكن بسبب قرار رفع الفائدة المرتقب من البنك المركزي في غضون الفترة المقبلة وزيادة سعر الفائدة على الجنيه»، علماً أن هذا التوجّه لا يزال محل نقاش داخل المجموعة الاقتصادية التي تعكف على الانتهاء من بلورة رؤية شاملة ومتكاملة مرتبطة بالعديد من الجوانب الاقتصادية، وفي مقدّمها الوضع الداخلي وضبط الأسواق.
وبالتوازي، تسعى مصر لإرضاء «صندوق النقد الدولي» من أجل الحصول على دفعات جديدة من الدعم المالي، بالإضافة إلى تحريك عملية بيع عدد من الأصول للمستثمرين الخليجيين، ومن بينها اثنان من البنوك الحكومية إلى جانب شركات رابحة ضمن برنامج الطروحات الحكومية، وسط تأكيدات حكومية بأن إقرار «الصندوق» لحزمة المساعدات سيشكّل دافعاً لإدخال نحو 10 مليارات دولار على الأقل من جهات عدة، وخاصة الدول الخليجية. ويأتي ذلك بعدما تعثّرت عدة صفقات مع دول الخليج، بالرغم من حماسة الصناديق السيادية للاستثمار، على خلفية التباين حول التقييم العادل لسعر صرف الجنيه أمام الدولار، في وقت يجري فيه العمل على بحث مناقشات حول السعر الذي يراه المستثمرون عادلاً للصرف، وخاصة مع الفجوة الكبيرة في السعر بين السوق الموازي (53 جنيهاً للدولار الواحد)، والسعر الرسمي في البنك (30.80 جنيهاً للدولار الواحد تقريباً).
من المتوقع أن تؤدي القرارات الحكومية الجديدة إلى موجة تضخمية جديدة في الأسعار


على هذه الخلفية، وسّعت الحكومة من برنامج الطروحات الحكومية ليشمل 50 شركة على الأقل، في محاولة لمعالجة العجز المتزايد في الموازنة الخاصة بالعام المالي الحالي والحد من الاقتراض، علماً أن سداد القروض وفوائدها بات يلتهم أكثر من نصف الموازنة العامة للدولة. وبحسب المصادر، فإن ملايين الدولارات التي كانت تسحب من الخارج عبر استخدام الكروت البنكية المختلفة جرى توفيرها بالفعل، وهو ما دفع الحكومة إلى بدء تطبيق مزيد من الإجراءات التي تحدّ من استنزاف العملة الصعبة، ومن بينها أموال شركات الطيران وغيرها من القطاعات التي يجري التعامل في جزء منها بالعملة الصعبة، بالتوازي مع وضع ضوابط صارمة لإدارة أموالها.
وتتوقع الحكومة أن تجني ملايين الدولارات من بدء تحصيل ضرائب ورسوم بالعملة الصعبة، بناءً على طبيعة الأعمال التي تقوم بها الشركات، وهو الأمر الذي دخل حيّز التنفيذ بالفعل، بينما لا توجد إحصائية دقيقة بالمبالغ التي جرى تقليص إنفاقها. وإلى جانب التقليص، فإن الحكومة تخطّط لطرح سندات مقوّمة بالروبية الهندية، بقيمة 500 مليون دولار خلال العام الجاري، بعدما جمعت نحو 980 مليون دولار من سندات «الباندا» و«الساموري» خلال العام الماضي، وهي خطوات تحاول من خلالها تنويع أدوات الدين خارجياً. ورغم تراجع «صندوق النقد الدولي» عن توحيد سعر الصرف، والتركيز على خفض معدلات التضخم كأولوية، وفق تصريحات عدة مسؤولين أخيراً، إلا أن القرارات الحكومية يتوقع أن تؤدي إلى موجة تضخمية جديدة في الأسعار، وخاصة أن نسب الزيادة في أسعار الكهرباء فقط تصل إلى 20 % للطبقات الأقل دخلاً.