على رغم اقتراب موعد نقل المقارّ الحكوميّة المصريّة إلى العاصمة الإداريّة الجديدة منتصف العام الجاري، فإن حالة التخبّط لا تزال سائدة في جوانب كثيرة، وخصوصاً منها تنظيم عملية الانتقال وكلفتها التي ستتحمّلها الدولة، واستكمال المشاريع الجاري العمل عليها من أجل توصيل مرافق الحياة إلى المنطقة، فضلاً عن «فلترة» العاملين الذين سيُنقلون إلى الموقع الجديد. في الشقّ الحكومي، يجري اختيار الموظفين وفق اختبارات جهاز التنظيم والإدارة تمهيداً لتوزيعهم على الوحدات السكنية التي سيجبَرون على شرائها بتسهيلات في المنطقة المتاخمة للعاصمة حتى يكونوا قريبين من عملهم. أمّا في شقّ الخدمات، فلا تزال أمور كثيرة غير واضحة المعالم.مقابل التكتّم على تفاصيل كثيرة في شأن المشروع الذي قرّر الرئيس عبد الفتاح السيسي تنفيذه في «زمن قياسي» لنقل جميع المصالح الحكومية إلى العاصمة الجديدة، تظهر العشوائية في إدارة عدّة تعاقدات مرتبطة بتنفيذ العاصمة، وهو ما دفع حتى الإماراتيين إلى الانسحاب، ليصل الأمر ذروته مع إعلان مشروع القطار الكهربائي الذي يُفترض أن تنفّذه شركة «سيمنز» الألمانية. هذا القطار كان على أجندة المشروعات منذ مدّة، لكن قبل أقلّ من شهرين أُعلن الاتفاق على تنفيذه عبر تحالف مصري ــــ صيني بكلفة تسعة مليارات دولار، ثمّ فجأة، ومن دون مقدّمات، وصل رئيس «سيمنز»، جو كايسر، إلى مصر، والتقى السيسي في قصر الاتحادية ليعلن تنفيذ المشروع نفسه بكلفة 23 ملياراً، مع زيادة طوله ليكون ألف كيلومتر بدلاً من 540.
بلغة الأرقام: كلفة الكيلومتر الواحد مع الشركة الألمانية أعلى بنحو ثمانية ملايين دولار ممّا هي عليه لدى التحالف المصري ــــ الصيني الذي كان يُفترض أن أعماله بدأت بالفعل، لأنه بحسب البيانات الرسمية التي صدرت عن الرئاسة والحكومة، كلفة الكيلومتر عن طريق هذا التحالف ستصل إلى 16.5 مليوناً، وعبر «سيمنز» 23 مليوناً. هكذا، تتحمّل خزينة الدولة المثقَلة بالديون والقروض كلفة المشروع بالكامل الذي يُفترض أن تكون العاصمة الإدارية الجديدة بؤرة تمركزه، فهو يربط العاصمة التي يرغب السيسي في تحويلها إلى مركز المال والأعمال والحكم، مع ميناءَي العين السخنة على البحر الأحمر، والإسكندرية على المتوسط، ومدينة العلمين الجديدة، المقرّ الصيفي للحكم الذي دَشّنه «الجنرال».
فكّت القاهرة العقد مع الصين واتفقت مع «سيمنز» الألمانية لتنفيذ المشروع


اللافت أن الشركة الألمانية تعهّدت في مذكّرة التفاهم بتنفيذ جزء من المشروع مقابل ثلاثة مليارات دولار فقط، وهو رقم أقلّ بكثير مما أعلنته القاهرة، في الوقت الذي يُفترض أن نحو نصف المشروع ستُنفّذه جهات أخرى تابعة للجيش، وهذا جزء من الغموض الذي يحيط بالاتفاق الذي سيتولّى الألمان نشر تفاصيله، سواء في ما يتعلّق بالقرض الميسّر الذي ستحصل عليه الحكومة المصرية للتنفيذ، أو حتى ببقية التفاصيل التي لم تكشف كاملة حتى الآن. وعلى رغم تحضيرات المشروع وتجهيز مساراته منذ شهور، بل إعلانها ومشاركة الشركات الوطنية فيها، جاء توقيع الاتفاق مع «سيمنز» ضمن مذكّرة تفاهم غير ملزمة، مع تعديلات قدّمتها الشركة تشمل توسعات مستقبلية محتملة لربط خطّ السكة بالخطوط القديمة أو خلق خطوط موازية لها.
تقول مصادر لـ«الأخبار» إن زيادة الأطوال تأتي للاستفادة القصوى من الطاقة الاستيعابية للشريط الجديد، بحيث تكون هناك تقسيمات للمحطّات بما يسمح للسكان بالتنقّل باستخدام قطارات موازية للقطار الرئيس على المسار نفسه، وهو ما زاد الأطوال إلى الضعف تقريباً، على أن ذلك سيحقّق عائداً اقتصادياً أكبر، ولا سيما في ظلّ الأسعار العالمية المقرّر التسعير بها لهذه القطارات، سواء في حركة البضائع أو الركاب. وتُرجع المصادر تراجع الدولة عن تنفيذ المشروع عبر التحالف المصري ــــ الصيني إلى «قلّة الجودة وفارق السرعة في القطار، فالشركة الألمانية ستُنفّذه بسرعة 250 كلم بالساعة، مقابل سرعة كانت تراوح بين 160 و180 كلم»، فضلاً عن تفاصيل فنية؛ منها أن يكون إنهاء الاتفاق بلا تحميل الحكومة المصرية أيّ خسائر.
ويصل مسار المشروع إلى نحو 460 كلم، بإجمالي أطوال تقترب من ألف كلم، متضمّناً 15 محطة. وسيبدأ العمل بـ 34 قطار ركاب، إلى جانب 10 قطارات أخرى لنقل البضائع، مع تجهيز المحطّات الجديدة بساحات انتظار وجراجات وموانئ تفريغ للبضائع تتناسب مع تصميم القطار الذي سيكون الأول من نوعه في مصر. ويعكس توجّه السيسي لتنفيذ المشروع الجديد تراجعاً واضحاً عن توفير الأموال اللازمة لتطوير خطوط السكة الحديدية القديمة التي تعدّ الثانية قدماً في العالم، إذ يستلزم تأمينها وتطويرها بالكامل 100 مليار جنيه رفضت الحكومة توفيرها دفعة واحدة، ما يتسبّب في حوادث بين حين وآخر، وسط خطة تطوير تسير بإيقاع بطيء.