القاهرة | جولة مكوكية أجراها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، على أربع دول عربية من أجل توحيد الموقف في شأن الأزمة الليبية، خاصة مع استمرار الفجوة بين القاهرة والجزائر، برغم التقارب الملموس بينهما أخيراً. والآن تريد الرياض «دعماً عربياً موحّداً» للمشير خليفة حفتر في مواجهة حكومة فائز السراج. ورغم أن ابن فرحان لم يحصل على وعود تونسية أو جزائرية بتغيير المواقف غير المحسومة إلى جانب أي من طرفي النزاع حتى الآن، قدّم الوزير إغراءً بمساعدات من المملكة لاتخاذ موقف مع حفتر، أو على الأقل مساندته وانتقاد الدور التركي، وهو ما واجه تحفظاً نسبياً، تحديداً في المغرب، مقابل ردود غير حاسمة في تونس والجزائر.
حمل فيصل بن فرحان وعداً من ابن سلمان بزيارة القاهرة في حال استقرار حالة والده (أ ف ب )

الجولة الأولى عربياً للوزير السعودي منذ جائحة كورونا تنوّعت فيها لقاءاته بين رؤساء دول ونظرائه من الوزراء، وقد سلّمهم رسائل من وليّ العهد، محمد بن سلمان، مفادها دعم المحور السعودي ــ الإماراتي ــ المصري في الحرب الليبية، بل اعتراض أي تحركات عسكرية من شأنها تغيير الأوضاع الحالية، لكن صيغة الرسالة اختلفت من دولة إلى أخرى. فبالنسبة إلى مصر، حملت الرسالة تطمينات باستمرار الدعم المالي والعسكري لقوات حفتر في مواجهة القوات التركية، بسبب «الاتجاه نحو التهدئة في اليمن للتركيز أكثر على ليبيا»، مع وعد من ابن سلمان بزيارة للقاهرة في حال استقرار صحة والده، ما يعكس جواً سبق أن نقلته جهات الاستخبارات المصرية عن تدهور في حالة الملك خلال الأيام الماضية.
وورد في رسالة القاهرة تشديد على استمرار «المحور» في مواجهة أنقرة واستفزازاتها العسكرية، على أن تكون مصر «رأس الحربة»، مع الاكتفاء بدعم الخليج لها مالياً وعسكرياً فحسب، وعلى أن يكون ذلك مشروطاً بالاستمرار في المحافظة على الوضع الميداني الحالي، وإرجاء أي مواجهة قدر الإمكان، خاصة مع «تراجع الاستفزازات التركية». صحيح أن الرياض أبدت موافقة على تمويل أي تحركات عسكرية مصرية في ليبيا، لكن اللافت هو الرغبة في إرجاء هذا الأمر إلا اضطراراً وتحت ضغوط محددة. ويبدو ذلك تخوّفاً من الوقوع في براثن حرب طويلة، ولا سيما مع غياب «دور دولي حازم» الآن، كما تعلق مصادر مصرية. والأهم أنه كان واضحاً في الرسالة الغضب على حفتر وتحميله مسؤولية تدهور الأوضاع، بعدما أخطأ تقدير القدرات العسكرية التي وصلت من تركيا، وتسبّبت في تكبّده خسائر كبيرة.
استقبل المغرب العرض بتحفّظ نسبيّ، فيما تردّدت تونس والجزائر


أما إلى الجزائر، فجاءت الرسائل مصرية ــ سعودية، واحتوت تشجيعاً للعمل الموحّد وفق مخرجات «مؤتمر برلين» على المسار السياسي، والعودة إلى دعم الجهود الأمميّة، وبناء خريطة طريق سياسية واضحة وكاملة التفاصيل. وتقدّر القاهرة الحاجة إلى عامين على الأقل للوصول إلى دولة في ليبيا، مع «دور رئيسي للمجتمع الدولي»، ولا سيما في إدارة منطقة الهلال النفطي، إلى جانب تأكيد الرسالة استمرار الأوضاع على الأرض من دون تغيير. وعلى جهة مقابلة، تفهّم ابن فرحان الموقف التونسي غير الحاسم من الرسالة، من جرّاء اعتبارات داخلية، منها ألا تزداد الانقسامات الداخلية، لكن مع التشديد على «عدم الانحياز إلى المحور التركي ــ القطري»، وهو ما أُبلغ به وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في اتصال هاتفي مع نظيره السعوديّ، بعد لقاء الأخير (ابن فرحان) الرئيس التونسي، قيس سعيّد. وفي المحصّلة، خلص ابن فرحان إلى حصوله على «تنسيق عربي قوي» حتى وإن كان غير معلن، رغم أنه لم يقدّم سوى وعود بالمساعدة، من غير حسم كثير من التفاصيل، مقابل تسريبات عن «زيارات ممثلي المحور الآخر (قطر وتركيا) إلى تونس والجزائر قريباً من أجل استمالتهم».