إسطنبول | لا تزال قضية المعتقلين المحسوبين على التيار الإسلامي في مصر تشكل أزمة حقيقية لطرفَي الصراع: السلطة وجماعة «الإخوان المسلمون» المحظورة. فعلى رغم النداءات التي تخرج كل مدة لحلحلة هذا الملف، تتمسك الجماعة بما تقول إنها استحقاقات سياسية تمثل أولوية لديها، فيما تلقي السلطة الكرة في ملعب التنظيم، بالقول إنه وحده المسؤول عن مآلات ما حدث، وبيده خيار المبادرة إلى الاعتراف بالنظام، مقابل بدء الإفراج عمّن ثبت عدم مسؤوليته عن أعمال عنف أو إرهاب.الجديد في الملف أنه بعد وفاة الرئيس الإسلامي، محمد مرسي، تجدد الحديث عن إمكانية تراجع «الإخوان»، خاصة مع افتراض زوال الحجة التي كانوا يعتمدون عليها وهي «شرعية مرسي»، فيما فُتح الباب مرة أخرى أمام عودة الاتصالات مع السلطة. في هذا الإطار، يكشف قيادي «إخواني» مهم، وله ابن محكوم بالمؤبد في إحدى القضايا، عن تفاصيل «جسّ نبض» أو «دردشة» بين ضباط من «الأمن الوطني» («أمن الدولة سابقاً) والمرشد العام للجماعة، محمد بديع، لمعرفة ما إذا كانت لدى التنظيم رغبة في الاعتراف بالنظام وبدء مرحلة جديدة. كان النقاش يدور حول فكرة الإفراج عن معظم الموجودين في السجون إلا من ثبت اتهامه في قضايا عنف، وتهيئة ظروفهم الاجتماعية وإعادتهم إلى وظائفهم، مقابل الاعتراف بالرئيس عبد الفتاح السيسي رئيساً لهم ولكل المصريين.
وفق هذا القيادي، ردّ بديع بأنه لا بد قبل ذلك من «التحقيق في كل ما حدث في رابعة والتحقيق في وفاة مرسي»، وهو ما سدّ طريق التفاوض مجدداً. تبعات موقف المرشد لم تقتصر على تذمر بعض «الإخوانيين» من تصلب الجماعة في شأن الصيغة المطلوبة لحل الأزمة المعقدة، بل تبعتها رسالة مسربة قيل إن 1300 شاب وقّعوا عليها، يتحدثون فيها عن مآسيهم داخل السجون ويطالبون بـ«تراجع الإخوان إلى الوراء لإنقاذهم من المعتقلات التي دمرت مستقبلهم». الرسالة المسربة سببت جدلاً كبيراً داخل الجماعة ما بين مشكك ومطالب بالتضامن، كذلك نالها الكثير من الهجوم من قطاعات كبيرة داخلياً وخارجياً. و«المضحك»، كما يقول القيادي نفسه، أن المشككين لم يتعرض معظمهم لتجربة الاعتقال، ولم يعانوا في السجون، ولذلك «لا يدركون معنى تسفيه الأزمة، أو قدرها الحقيقي».
سُرّبت رسالة وقعها 1300 معتقل تطالب الجماعة بالتراجع عن رفضها الحل


الأمر لم يتوقف عند حالة الجدل التي صاحبت «استغاثة» المعتقلين، بل تعدّاها إلى تداول مبادرة جديدة تدعو إلى تدخل الأزهر ومنظمات حقوقية دولية، وتنصّ على الإفراج عن المعتقلين مقابل تعهدهم بعدم المشاركة السياسية مطلقاً، واعتزال كل العمل العام، بما فيه الدعوي والخيري. وتنصّ أيضاً على أن للأجهزة الأمنية اتخاذ التدابير الاحترازية التي تراها مناسبة لضمان ذلك، لكن بما لا يخلّ بحريات المفرَج عنهم، بالإضافة إلى تبرع الأخيرين بما يُقدّر بخمسة آلاف دولار لصندوق «تحيا مصر»، على أن يراجع الأمن ملفات الأفراد دورياً. لم تمرّ سوى ساعات على هذه المبادرة، التي قال بعض مروجيها إنها جاءت بالتنسيق مع العشرات من أسر المعتقلين وبعد موافقتهم على بنودها، حتى واجهت أيضاً النقد والهجوم من محسوبين على «الإخوان» والتيار الإسلامي عامة. أياً يكن، تؤكد مصادر مقربة من «الأمن الوطني»، في حديث إلى «الأخبار»، أن سياسة الجهاز في التعامل مع ملف المعتقلين واضحة، وتتضمن تركهم حتى استنزاف طاقاتهم، ما سيوفر المناخ لاشتباك وخلاف فكري بينهم وبين قياداتهم في الداخل والخارج، وهذا سيضرب عصب التنظيم وتماسكه، وعندئذ تتدخل الدولة وتفحص طلبات الراغبين في «التوبة» والخروج من المعتقل، بشرط الاعتراف بالنظام كلياً وترك العمل السياسي إلى غير رجعة.
يشار إلى أن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أعلنت، أمس، تأجيل «المؤتمر الإقليمي حول تجريم التعذيب» الذي كان مقرراً عقده في القاهرة خلال الرابع والخامس من الشهر المقبل بالشراكة مع «المجلس القومي (المصري) لحقوق الإنسان»، بعدما أثار اختيار مصر لعقد هذا المؤتمر تساؤلات واحتجاجات. وسبق لوزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الإعراب عن «القلق» إزاء الأوضاع في السجون المصرية الشهر الماضي، حينما قال إن واشنطن ستواصل العمل مع السلطات في هذا الموضوع، وذلك في رسالة بعثها إلى «مجموعة العمل الخاصة» بمصر، ونقلها الموقع الإلكتروني لـ«مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي». وقال بومبيو في الرسالة إنه «يشاطر المجموعة قلقها إزاء الأوضاع المزرية في السجون»، وإن إدارته بحثت بصورة مكثفة التقارير عن أوضاعها.