انشغل المصريّون، منذ صباح أمس، بفيديو «الأطفال المهرِّبين» الذي انتشر على موقع «فايسبوك» وأثار غضباً عارماً لدى غالبية من شاهده. الفيديو عبارة عن مقابلات مع قاصرين يعملون في تهريب البضائع الأجنبية في منطقة بورسعيد (شمالي شرق القاهرة)، أجرتها إعلامية تابعة للمحافظة. لكنّ أداء الإعلامية، التي تُدعى سلوى حسين، مثّل مادة انتقادٍ واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ كانت قاسية في التعامل مع الأطفال، الذين بدوا في معظمهم خائفين ومرتبكين. وبعد انتقادات واسعة طاولت القيّمين على هذا الفيديو، طالب «المجلس القومي للطفولة والأمومة» التابع للحكومة المصرية، يوم أمس، بالتحقيق في الواقعة، بالإضافة إلى توجيه عدد من أهالي المحافظة بلاغات لشرطة «نجدة الطفل» ضد إدارة العلاقات العامة للمحافظة، متّهمين المذيعة بالتشهير بالأطفال.
الفيديو مخالف لقانون الطفل
عقب الجدل الحاصل على خلفية الفيديو، أخلت نيابة بورسعيد، سبيل أربعة أطفال من بين الأطفال الذين ظهروا في المقطع، وذلك بعد دفع غرامة مالية.
وأصدرت المحافظة بياناً أشارت فيه إلى أن استخدام الأطفال في أعمال التهريب من منافذ بورسعيد الجمركية، يعدّ انتهاكاً لحقوق الطفل، في وقتٍ قال فيه «المجلس القومي للطفولة والأمومة» إنه خاطب النائب العام لاتخاذ الإجراءات القانونية، حيال واقعة الفيديو «المخالفة لقانون الطفل».
وقالت الأمينة العامة لهذا المجلس، عزة العشماوي، إن خط «نجدة الطفل» (رقم هاتف حكومي يستقبل شكاوى بحق الطفل)، استقبل بلاغات بمخالفة الواقعة للاتفاقيات الدولية وقانون الطفل. ويحظر قانون الطفل، وفق العشماوي، تصوير أو استضافة الأطفال المعرّضين للخطر، أو الأطفال المخالفين للقانون.

«اشتغلوا في الاستثمار»
وأظهر الفيديو المتداول عبر «فايسبوك»، مجموعة أطفال مصطفين أمام حائط، بعدما أُلقي القبض عليهم بتهمة تهريب بضائع غير خالصة الرسوم، عبر المنافذ الجمركية في بورسعيد.
المقطع الذي نشرته بدايةً الصفحة الرسمية لمحافظة بورسعيد، تضمّن لقاءً أجرته المسؤولة الإعلامية في المحافظة مع الأطفال، حين أخذت تسأل كل واحدٍ من بينهم إذا كان «نادماً» على عمله في التهريب، وعن سبب عدم عمله في «الحلال»، طارحةً عليهم بدائل، مثل العمل في «النظافة، الاستثمار وبيع الملابس».
وسخر مستخدمون على «فايسبوك» و«تويتر» من اقتراح المذيعة للأطفال «العمل في الاستثمار»، قبل أن يتبيّن أنها تقصد منطقة صناعية في بورسعيد معروفة باسم «الاستثمار» وليس مجال الاستثمار العقاري.
من جهتها، علّقت الإعلامية، سلوى حسين، على الانتقادات، قائلةً في تصريحات صحافية: «عندما تحدثت للمقبوض عليهم وأخبروني أنهم يعملون في التهريب لحاجتهم للأموال، لأنهم يصرفون على ذويهم، كان ردّي عليهم لماذا لا تعملون في الاستثمار، لأن وظائف مصانع الاستثمار آمنة ومجزية، وليس بها مخاطر عمليات التهريب». وأضافت: «لقائي مع المقبوض عليهم كان تكليفاً من المحافظة، فأنا أقوم بدوري الإعلامي فقط، وأتمنى من الجميع تحري الدقة، في ما يروجونه على مواقع التواصل الاجتماعي، وفهم طبيعة اللقاء وما دار فيه».




محفوظ مجاهد محفوظ
من بين الأطفال الذين ظهروا في الفيديو، برز أحدهم بجرأته، ويدعى محفوظ مجاهد محفوظ، الذي عبّر بوضوح وقوة عن الوضع الاجتماعي السيّئ الذي دفعه مع زملائه إلى العمل في هذا المجال. لم يرضخ محفوظ أمام قسوة المذيعة وإلحاحها على تلقينه مع الآخرين دروساً في «الأخلاق» وفي «الحلال والحرام». قال الشاب إنه يعمل في التهريب «من ورا» والديه (من دون علمهما)، مصرّاً على أن الأعمال الأخرى المطروحة أمامه وأمام رفاقه، لا يكفي مردودها. ففيما يتلقّى من عمله الآن 150 جنيهاً في اليوم، لن يتجاوز مدخوله يومياً في حال عمله في مجالٍ آخر الـ50 جنيهاً. وفيما كانت المذيعة تتابع استجواب محفوظ، الذي أتى من محافظة سوهاج جنوبي مصر، قال لها: «إنت مش حاسّة بالناس»، و«ازاي هاقدر أكسي إخواتي وأمي».
كلام محفوظ أثّر بشكل كبير في مشاهدي الفيديو، حتى بات المستخدمون يتناقلون فقط شهادة محفوظ المؤثرة والجريئة، بعد اقتطاعها من المقطع الكامل، خصوصاً أنه قال إن الحكومة تلقي القبض على المهرّبين المساكين الذين يحصّلون بضعة جنيهات من عملهم، في حين تتجاهل المهرّبين الكبار الذين يجنون الملايين من التهريب.