رام الله | «إننا نخضع للتمييز والاستخفاف الواضح بلغتنا، بدءاً من أدوات الاتصال والإعلان، وصولاً إلى قوائم الطعام. إنها حالة تشعرك كأنّك في مستعمرة بريطانية أو أميركية. في المدن الفلسطينية، قوائم طعام مكتوبة بالدولار، وبالإنكليزية، والعبرية. ما يجري هو بمثابة تنغيص للحياة اليومية، حين يطفح اليومي بالمظاهر الاستعمارية، وأبرزها الاستخفاف بالمرجعية الثقافية، وبأهل البلد، والإيحاء بدونية اللغة العربية في لوحات الإعلان، والمؤسسات العامة والرسمية، والجامعات».
يتحدّث أستاذ علم الاجتماع في «جامعة بيرزيت» أباهر السقا بانفعال واضح، وهو يخبرنا عن حملة تعتزم ثلّة من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين إطلاقها ضدّ المظاهر الاستعمارية في المجتمع الفلسطيني. الحملة قيد التبلور حالياً، وستركّز نشاطها داخل الجامعات كمرحلة أوليّة... ويبحث الناشطون في عناوين متعددة لتحرّكهم، أوفرها حظاً «الأرض بتتكلّم عربي».
نشأت الدعوة إلى هذه الحملة، بحسب أباهر السقا كردّ فعل على «مأسسة الاستخفاف المنظّم والمدروس من جانب مجموعات مستعمَرة، تتعامل مع مرجعياتها الثقافية بدونية شديدة، وتمارس عنفاً رمزياً على المجتمع الفلسطيني، وتفرض عليه نمطاً استعمارياً من الكتابة والاتصال والتعامل من دون أن يردعها رادع». ويرصد السقا أشكالاً من التمييز ضد المحلي، لمصلحة الغربي أو الأجنبي. مثلاً «لا تجد صحيفة فلسطينية، ومَن هم وراءها من المستثمرين، حرجاً في نشر إعلان عن تأجير مبنى أو بيت... «للأجانب فقط»». حتى قائمة الطعام، تحوّلت إلى «حالة استعمارية صارخة. تُغيَّب القهوة العربية أو التركية عن مقاهٍ عدة في رام الله. المقهى أو المطعم غربي كما يريد أصحابه، ولا وجود فيه لشيء عربي. ولو قرأنا قائمة الطعام سوسيولوجياً، لتوقفنا مطولاً أمام عبارة Palestinian traditional food، كمؤشر على نظرة كاريكاتوريّة واستشراقيّة إلى الذات» يقول السقا.
بعد توقيع اتفاقية أوسلو، قادت «السلطة الفلسطينية» تحولاً ثقافياً كبيراً: «من سياسات تعميق الذاكرة وبناء هوية وطنية، إلى سياسات النسيان، والتخلي عن جزء كبير من مكونات الهوية الفلسطينية»، يقول رئيس دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في «جامعة بيرزيت» عبد الرحيم الشيخ. «على المستوى الجغرافي، تُختصَر فلسطين بالضفة الغربية، عبر وسم غزة بالإمارة الظلامية، ونسيان فلسطين المحتلة سنة 1948، وقبول فكرة تبادل الأراضي مع الكيان الإسرائيلي ونسيان الشتات. أمّا على المستوى الديموغرافي، فقد «صار «الفلسطيني» هو من يعيش في الضفة حصراً».
ويلحظ عبد الرحيم الشيخ دور الوسيط الذي تؤدّيه منظمات المجتمع المدني بين المحتل والفلسطينيين، أو بين الفلسطينيين والسلطة، متنازلةً بذلك عن دورها التاريخي، كجزء من حركات التحرُّر: «بين سياسات النسيان التي تروجها السلطة الفلسطينية، واختفاء سؤال التحرر الوطني من أجندة المؤسسات غير الحكومية أو الأهلية، يسود الترويج لقيم الليبرالية الجديدة، وما تقتضيه من منظومة اقتصادية مرتبطة بالسوق الحرة والخصخصة». ويترافق ذلك مع مجموعة من المظاهر الكاذبة ـــــ يسميها بعضهم على المستوى المعماري «رام الله سندروم» ـــــ وتقوم على «اعتبار رام الله غاية ونهاية الوجود الفلسطيني، والعاصمة الثقافية والسياسية والاقتصادية ومركزها المقاطعة». يعلّق الشيخ متهكماً: «هنيئاً للفلسطينيين بعاصمة مساحتها 16 كيلومتراً مربّعاً».
هذا غيض من فيض المظاهر الاستعمارية التي أصبحت متجذرةً في الواقع الفلسطيني، يقول لنا الداعون إلى الحملة المرتقبة. كأنّنا في مجتمع شبيه بـ «مستعمرة ما بعد الاستعمار»، بحسب تصنيف أستاذ علم الإنسان والاجتماع في بيرزيت خالد عودة الله. «إنّها بنية اجتماعية جديدة، يُعاد من خلالها تعريف الثقافة عبر نزع المقابل الاستعماري الذي تتكوّن الثقافة عادةً لمواجهته». وتهدف حملة المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين إلى «تأليف جماعة ضاغطة على المشرّعين، لإصدار قوانين تقطع الطريق على المستخفين باللغة العربية، وتدافع عن المتضررين من الاضطهاد والتمييز لمصلحة الأجنبي».
«هذا إجراء عملي» يوضح الأكاديمي أباهر السقا. ويؤكّد خالد عودة الله أنّ «نقطة البدء في حالة مقاومة المظاهر الاستعمارية تكون على المستوى النفسي، عبر إعادة الاعتبار إلى الذات، كنوع من النرجسية أو العصبية، هدفه إنشاء ذات تعتبر وجودها صلباً بما يكفي، لمقاومة الاستعمار. والسبيل إلى هذا، خطاب معرفي مقاوم وطني، يحكي لغة يمكن أن يتفاعل معها الناس جميعاً، بعيداً عن اللغة النخبوية».
هكذا تعاد صياغة فلسطين
صارت فلسطين مختصرة بالضفة وصارت الضفة «منطقة خضراء» للدراسة الأمنية والأنثروبولوجية. هذا ما يؤكّده الأكاديمي عبد الرحيم الشيخ. «المجتمع الفلسطيني «ثالثيّ متخلف»، مؤهل أكاديمياً ليكون حقلاً أنثروبولوجياً سوسيولوجياً. لهذا تنشط مؤسسات أمنية عدة في دراسة الفلسطيني كخطر، عبر مجموعة هائلة من الخبراء في شتّى المجالات الفنية والعلمية» يقول الشيخ. يعرّف أولئك الخبراء أنفسهم كأصدقاء للفلسطينيين «حتى إن هناك إسرائيليين يحملون جوازات سفر غربية». وسط هذا الكمّ من الأجانب، لا بدّ من أن تصير «المنطقة الخضراء» قادرة على استقبال «أصدقائها» وخدمتهم. هكذا، تتأقلم مرافقها مع احتياجات الضيوف «عبر قوائم الطعام الأجنبية والإعلانات الإنكليزية، وتوفير السياق اللازم ليعيش هؤلاء في «الصحراء» المسمّاة فلسطين، ولا يتعكّر صفو الملحق الأمني الذي يزور مقهىً في رام الله، بقائمة طعام تحوي حروفاً عربية».
13 تعليق
التعليقات
-
يبدو ان التعميماتيبدو ان التعميمات والاراءالجاهزة سيدة الموقف جامعة بيرزيت هى رائدة المقاطعة الاكاديمية ضد المستعمرين ثانيا استخدام تعبير مثقفى اوسلو وما شابه لذلك غيرمنصف، هولاء من اشد المعارضين لاوسلو، قبل ان تصدر احكام ضد جامعة بيزيت ومثقفيها اود تذكيرك انها الجامعة الوحيدة التى لا تسيطر عليها جماعة اوسلو لا من رئيس الجامعة ولا من العاملين عليك فقط ان ترى الانتخابات الاخيرة ونتائجها للعامليين،ثالثا يبدو انكم لا تعرفون فلسطين ومثقفيها وفقط بودكم تعميم اراء لا معنى لها، رابعا هى المنارة لويحدة الباقية والتى تمتلا بالاكاديمين الثوريين والتنويرييين حتى وان وجدت بعض الاسماء المطبعة باسمها وليس باسم الجامعة، اخيرا بدلا من تشجيع هولاءتقفون ضدهم
-
بيرزيت تحولت الى احد مكونات المنظومة الاستعماريةلم تنتكس جامعة بيرزيت أكاديميا فحالحها من حال الكثير من جامعات المستعمرات ، الانتكاسة الاهم التي لا يريد احد الحديث عنها هي تحول جامعة بيرزيت الى جوهرة التاج في المنظومة الاستعمارية فيمابعد اوسلو ، فالجامعة تحولت من حيز لانتاج وعي مضاد للاستعمار بمستوياته المختلفة ومن هنا استحقت لقب جامعة الشهداء الى مؤسسة تتخذ من الاكاديمية والعلموية والعقلانية كأيديولوجيا وبذلك تمت عملية ازاحة منظمة لمقولات المقاومة والتحرر كنشاط معرفي. يكفي ان نلاحظ على مستوى المناهج الغياب الثقيل لموضوعات من مثل الحالة الاستعمارية ونظريات الاستعمار وما بعده والتحرر الوطني وحتى تم الغاء مساقات اجبارية من مثل القضية الفلسطينية كمتطلب جامعي . كلمة السر ومفتاح النجومية اليوم في الجامعة هو اجادة فن التمويل . ولا بد من ملاحظة ان العديد من النخبة المستعمرة التي تنشط في التنظير للحل العقلاني التفاوضي مع الاستعمار الصهيوني جاءت من صفوف جامعة بيرزيت ، والجامعة تنشط في تخريج كفاءات تحتل مواقعا بارزة في المنظومة الاستعمارية لما بعد اوسلو
-
الا يجوز ان بعضا من مثقفيناالا يجوز ان بعضا من مثقفينا الممتعضين من غياب للغة العربية عن قوائم المطاعم والمقاهي - على سبيل المثال- لا يرتادون الا مطاعم ومقاهي النخبة المستعمرة، فلو توجهوا الى المطاعم والمقاهي الشعبية لما وجدوا قوائم باللغة الانجليزية بل ولن يجدوا قوائم اصلا .
-
اولا تغير مسنوى جامعة بيرزيتاولا تغير مسنوى جامعة بيرزيت ليس مرتبطا باللغة العربية بل مرتبط باسباب بنيوية مرتبطة بالتعليم بالمدارس الفلسطينية وضعف المناهج طبعا معا اقرارنا بان جامعة بيرزيت هى احدى افضل الجامعات العربية والاكاديميبن اصحاب التحرك عبد الرحيم الشيخ واباهر السقا من افضل اساتذة لجامعة وكون ان هولاء والذين هم خريحى الجامعات الاوربية ويكتبو بلغات اجنبية بطلاقة ولكن وراء التحرك نزعة ثقافية جديدة تحاول اصلاح منضوماتنا الثقافية واللغوية والحد من تدمير ذواتنا الثقافية
-
المسألة ليست بهذه البساطةالمخاوف التي يعبر عنها الكثير منا هي مخاوف حقيقية نابعة من الواقع والتجربة. ارجع إلى تجربة جامعة بير زيت، والتي كانت تسير في خطوات سريعة حتى كادت أن تصبح من أفضل الجامعات في العالم العربي إلى أن جاء السلفيون المطالبون بتعريب المناهج. كان ذلك في منتصف الثمانينات من القرن الماضي. وبعد أن أُرغمت الجامعة على تبني المناهج العربية، انحط مستوى التعليم في الجامعة، وانخفض عدد الخريجين الذين يحصلون على قبول من الجامعات الغربية لإتمام الدراسات العليا. نعم اللغة كانت أهم العوامل في انحطاط مستوى التعليم. وهذا لا يعني أن هناك عيب في اللغة العربية، ولا في مبدأ المحافظة على الثقافة العربية، ولكن العيب في تعريب المناهج دون أن تتوفر مناهج بديلة باللغة العربية بنفس المستوى العلمي والأكاديمي. ولا يمكن أن يكون هناك مناهج عربية بديلة في نفس المستوى، لأن العالم العربي يتخلف عن الغرب عشرات السنين من ناحية التقدم العلمي. هناك من يتحدث عن ضرورة ترجمة أهم الكتب والمناهج في الجامعات الغربية واستخدامها في الجامعات العربية. ولكن هذا الحل غير واقعي وغير عملي. فمستويات التطور العلمي والتقني تتغير بسرعة هائلة تجعل من المستحيل ترجمة هذا الكم المتزايد من الكتب والمجلات والأبحاث العلمية إلى اللغة العربية. فالحل إذن لن يكون إلا في تعلم اللغات الأجنبية، إلى أن يصل العرب إلى درجة من التطور العلمي والتقني تمكنهم من منافسة الغرب في هذه المجالات. القول "حلو عنا" لن يحافظ على الثقافة الوطنية العربية أو الفلسطينية, إلا إذا كانت المحافظة على الثقافة الوطنية تعني المحافظة على التخلف. لا ننسى أن العالم العربي، رغم الثروات الطائلة، هو أكثر دول العالم تخلفا وتبعية. ومش حنحل عنكم.
-
رد على "عربي"هناك أناس ما إن يسمعوا بأحد يريد الحفاظ على الهوية في مواجهة محاولة التذويب الاستعمارية التي نهايتها التذرير والتبعية والعبودية بلا أمل في التحرر كما جرى مع بعض شعوب أفريقيا والشعوب الأصلية لأمريكا حتى تراهم مثل غوبلز يتلمسون جوانبهم ليطلقوا رشة كثيفة من "المخاوف" عن "السلفية" و"الرجعية" وحتى الخوف على "المستوى الأكاديمي". ما هو مبرر كل هذه المخاوف؟ لم أفهم. نحن نريد الحفاظ على هويتنا الثقافية ومن هو معجب الهوية الغربية ويريد أن يتخلص من هويته المميزة فليذهب إلى الغرب يا أخي و "حلوا عنا"!
-
ثقافة أوسلوأعتقد جازما أن أطروحات مثقفي أوسلو سطحية.ثقافة الهوية ترتبط بالمقاومة.أولها هو التخلي تماما عن أوسلو وثقافة أوسلو.
-
إنهاء اوسلو هو الشعار الصحيحكانت بديات طرح شعار انهاء الانقسام تترادف مع الشعب يريد انهاء أوسلو و الذي سرعان ما أستولت عليه حركة فتح ، و قامت بوضع يدها على الاعتصام و تحويله الى انهاء الانقسام على ارضية سلام فياض رئيس وزراء و بقاء التنسيق الامني من باب العقلانية السياسية. الحل في انهاء أوسلو الذي أسس لكل ما هو سلبي في الشعب الفلسطيني و ليس في حكومة لفترة انتقالية تتلوها انتخابات تحت تهديد قطع المساعدات الدولية .
-
هل هذه أنجع طريقة للثورة على الإستعمار الثقافي؟رغم تعاطفي مع هؤلاء الأكاديميين وتفهمي التامّ لمخاوفهم على فقدان الثقافة الوطنية الفلسطينية، إلا أنني أخشى أن تتحول هذه الحركة إلى جسر للهروب من مواكبة التطورات العلمية والثقافية والأدبية والفنية العالمية. فلا يمكن مواكبة التطورات المتسارعة في العالم في كل هذه المجالات دون الإلمام بعدة لغات أجنبية. والفلسطينيون هم أحوج ما يكون للتمرس في كل اللغات لشرح قضيتهم دون وسيط، بالإضافة للتعلم من تجارب المجتمعات الأخرى والتواصل معها. كما أنني أخشى أن يسمح هذا التيار - رغم مقاصده الوطنية - بحفر أنفاق تعبر منها التيارات السلفية والرجعية التي تطمح لفصل المجتمعات العربية عن كل المأثرات الأجنبية بحجة المحافظة على القيم والإخلاق الإسلامية والعربية "الأصيلة". كما أنني أخشى أن يصبح هذا الفكر عاملا مشجعا على إضعاف الحياة الأكاديمية والمستوى العلمي للجامعات الفلسطينية ومعاهد التعليم العالي، بحجة التمسك بالمنشورات والمطبوعات العربية فقط، ورفض كل ما هو منشور باللغات الأجنبية. فقط يصبح شعار التلاميذ في المدارس والجامعات: تعلم اللغات الأجنبية خيانة وطنية.