دخلت الدورة الـ 69 من «مهرجان البندقية السينمائي» أسبوعها الثاني وسط ردود فعل نقدية بالغة الإيجابية. أعمال غالبية عمالقة الفن السابع المشاركين (تيرينس مالك، براين دي بالما، مانويل دي أوليفيرا، ماركو بيلّوكيو، تاكيشي كيتانو) ما زالت لم تُعرض بعد. لكن المفاجآت السارة العديدة التي حملها برنامج الأسبوع الماضي كانت كافية لطمأنة روّاد «الموسترا» بأنّ المنعطف التجديدي الذي يواجهه المهرجان العتيد، مع إسناد إدارته، بدءاً من هذه الدورة إلى ألبيرتو باربيرا، خلفاً لصانع أمجاد «الموسترا» السابق ماركو مولر، قد مرّ بسلام.
سطّر باربيرا برنامجاً ثرياً يضم 18 فيلماً في المنافسة الرسمية على «الأسد الذهبي»، بالإضافة الى 24 عرضاً خارج المسابقة، منها تسعة أعمال وثائقية. بينما يُعرض في التظاهرة الموازية «آفاق» 18 فيلماً روائياً طويلاً. أما الكلاسيكيات التي عادة ما تكون ملح المهرجان، فقد تقرّر توزيعها بين تظاهرتين: 19 فيلماً في «كلاسيكيات البندقية»، و10 أفلام في «بانوراما أفلام الثمانينيات». وجميع هذه الأعمال، كما جرت العادة، هي من روائع السينما التي يُعاد عرضها هنا بعد ترميمها بالتقنيات الرقمية.
أما المفاجأة الأكبر التي حملها هذا البرنامج، فتمثلت في إنشاء «سوق دولية للفيلم» للمرة الأولى في «البندقية» على غرار ما هو معمول به في «كان» و«تورنتو». منذ دورتها الأولى، استقطبت هذه السوق أكثر من ألف مشارك من مختلف قطاعات الصناعة السينمائية، من مخرجين ومؤلفين ومنتجين وموزعين، من مختلف مناطق العالم. ما سيمنح «الموسترا» في السنوات المقبلة سلاحاً إضافياً في المنافسة المحتدمة بينها وبين غريميها «كان» و«تورنتو»، وخصوصاً أنّ هذا الأخير تتزامن فعالياته مع «البندقية».
عروض الأسبوع الأول من «الموسترا» الـ 69 افتُتحت بفيلم سيكون بلا شك أحد أبرز الأحداث على الساحة السينمائية العالمية في الخريف القادم: إنّه «الأصولي المتردد» للهندية المقيمة في أميركا ميرا ناير (خارج المسابقة). أما في السباق نحو «الأسد الذهبي»، فقد كانت المحطة الأبرز في عروض هذا الأسبوع الأول بلا منازع فيلم The Master لبول توماس أندرسون الذي يعود إلى واجهة السينما بعد غياب دام خمسة أعوام، منذ رائعته «سيسيل دم كثير» (2007). بطل الفيلم خواكين فينكس، العائد هو الآخر بعد غياب (كان قد أعلن اعتزاله بعد «عاشقتان» لجيمس غراي ــ 2008)، أبهر رواد «الموسترا» بأدائه المميز وقدراته الفائقة على التجديد والمغايرة، إذ أجمع النقاد على أنّ جائزة أفضل ممثل يصعب أن تفلت منه، بالرغم من أن المهرجان ما يزال يخبئ الكثير من المفاجآت...
من الأفلام الأكثر تميزاً في برنامج هذا الأسبوع الأول أيضاً، «سوبر ستار» للفرنسي غزافييه جيانولي، و«القصص التي تحدثنا عنها» لساره بولي، ووثائقي سبايك لي «باد ــ 25» عن مرور ربع قرن على كليب مايكل جاكسون الشهير الذي تولى لي إخراجه. من جهته، فاجأ المخرج الإسرائيلي عاموس جيتاي جمهوره بفيلم طرح فيه جانباً من السينما النضالية التي صنعت شهرته، ليقدم عملاً بيوغرافياً حميماً بعنوان «أغنية إلى والدي». ويُرتقب أن تحتضن «الموسترا» في الأيام القادمة عملاً ثانياً لصاحب «بيت» يحمل عنوان «كارمن».
هذا الحضور الإسرائيلي، سيُستكمل هذا الاسبوع بأربعة أفلام أخرى من بينها «هايوتا وبيرل» لأمير مانور. في موازاة ذلك، تحقق السينما العربية حضوراً كثيفاً في المهرجان هذه السنة، من خلال تسعة أفلام من فلسطين، والجزائر، والمغرب، وتونس، ومصر، والعراق، والسعودية وليبيا (راجع الكادر). كما تحضر السينما الإيرانية والتركية بفيلمين لكل واحدة منها. الإيراني المقيم في أميركا رامين بهراني، قدّم جديده «بأي ثمن» في انتظار عرض «البيت العائلي» لمواطنه كينوش عياري. بينما يرتقب أن يقدّم التركي علي أيدن جديده «خوف»، فيما ستشارك مواطنته ياسين أوستولغو بـ«عراف».
إلى ذلك، ما زال في جعبة المهرجان أفلام مثيرة عديدة ستعرض تباعاً في الأيام المقبلة، وتحمل تواقيع تيرينس مالك، وبراين دي بالما، والراحل راوول رويز، وماركو بيلّوكيو، وتاكيشي كيتانو، وروبرت ريدفورد، وبريانتي ماندوزا، وعميد السينما مانويل دي أوليفيرا البالغ 104 أعوام!






حضور عربي

يحتضن «البندقية» 9 أفلام عربية. ضمن «آفاق» يُعرض «ياما» للجزائرية جميلة الصحراوي الذي يروي قصة مستوحاة من سنوات الدم الجزائرية، و«الشتا اللي فات» للمصري ابراهيم البطوط الذي يستعيد وقائع ثورة النيل، و«وجدة» للسعودية هيفاء المنصور. ويحتضن البرنامج الرسمي خارج المسابقة، شريطين وثائقيين عن الثورات العربية، الأول «يا من عاش» للتونسية هند بوجمعة، والثاني «شاهد: ليبيا» لليبي عبد الله عميّش. كما يحتضن باكورة النجمة الفلسطينية هيام عباس «تراث ــ ميراث». وضمن برنامج «جائزة مدينة البندقية»، يُعرض «ابن بابل» (2009) للعراقي محمد الدراجي. في برنامج الأفلام القصيرة، تقدّم الفرنسية من أصل مغربي هدى بن يامينة «على طريق الجنة». وضمن «كلاسيكيات البندقية»، تقدم نسخة مرمّمة من رائعة الفرنسي رينيه فوتييه «في سنّ العشرين في الأوراس» الذي كان أول فيلم عن الثورة الجزائرية مُنح جائزة في «كان» (1972).