منذ بداية الأزمة السورية قبل أكثر من سنتين، كانت قناة «الجزيرة» طرفاً أساسياً في الحرب الإعلامية على النظام السوري وأسهمت في التحريض والفبركة والتزوير، واضعةً كل ثقلها عند عسكرة الاحتجاج السلمي (الأخبار 15/3/2013). لكن اليوم، تدور أحاديث في الكواليس عن إمكانية أن تأخذ المحطة القطريّة قراراً استراتيجياً يؤدي إلى تغيير سياستها تجاه دمشق. قبل 31 شهراً، ابتكرت الفضائية التي تتخذ من الدوحة مقرّاً لها مصطلحات خاصة بها لتغطية الاحتجاجات في سوريا مثل «كتائب الأسد» عند الحديث عن الجيش السوري، ووصف ضحاياه بـ«القتلى» فيما ضحايا الطرف الآخر هم «شهداء». الواقع أنّ أداء «الجزيرة» كان انعكاساً للسياسة القطرية تجاه سوريا. إذ سبقت كل الشاشات الأخرى إلى هذا النهج، قبل أن تلحق بها قنوات خليجية الهوية أو التمويل أو الهوى أو تلك التي كانت قد وقفت جانباً في انتظار نتيجة الحسم على الأرض. كل هذه المؤسسات الإعلامية عملت وفق منظومة موحدة بدءاً من تبرير الفظاعات التي ارتكبتها بعض العناصر المسلّحة من المعارضة وليس انتهاءً بالمساهمة في التجييش الطائفي.
الغرور الذي أصاب القيادة القطرية السابقة بعد ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن، انسحب على القائمين على «الجزيرة» التي رصدت ميزانية هائلة لاسقاط النظام في سوريا خلال أشهر قليلة. لكن اليوم، بعد وصول الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى السلطة، وسحب الملف السوري من يد الإمارة الصغيرة، وتلقّي قطر ضربة قاصمة في مصر مع عزل الرئيس محمد مرسي، عادت «الجزيرة» لتشدّ عصب الشارع الإخواني وتشحذ الهمم لاستعادة السلطة بعدما وصفت ما حدث في مصر بـ«الانقلاب»، مما ألّب الشارع المصري عليها (الأخبار 21/8/2013)، فضلاً عن الاستقالات الجماعية من مكتب المحطة في القاهرة (الأخبار 9/7/2013) بدعوى أنّ القناة «فقدت صدقيتها وتحوّلت الى عدو للشعب المصري». ومَن يرصد المحطة الاخوانية الهوى أخيراً، يلاحظ تقدّم الملف المصري على المشهد السوري بفارق كبير لناحية المساحة والبرامج.
هذه الخسارات المتتالية دفعت القيادة القطرية إلى إعادة النظر في الملف السوري خصوصاً مع تغيّر التعاطي الدولي مع النظام في الشام. هكذا، قرّرت إعادة التموضع عبر خطوات عدة منها التوقف عن دعم المسلحين ووقف ضخ الأموال في السوق السوداء السورية، وتغيير أسلوب تعاملها الإعلامي تدريجاً خصوصاً عبر «الجزيرة». هذا ليس تحليلاً، بل معلومات مؤكدة ومتداولة. وقد نقل المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم أخيراً رسالتين من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني إلى الرئيس السوري بشار الأسد عن طريق مدير مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي المملوك، يعرب فيهما عن استعداد الدوحة لطي الصفحة الخلافية مع سوريا، وفق ما أكد لنا مصدر مطلع. وقد تعهدت قطر في هاتين الرسالتين ببنود عدّة، أولها تغيير أداء «الجزيرة»، إذ اقترحت البدء بإرسال بعض مراسلي قناة «الرأي والرأي الآخر» إلى دمشق كبداية لتغيير نهجها تدريجاً «لأنّ التبديل لا يمكن أن يتم دفعة واحدة»، بما يعنيه ذلك من إفساح في المجال أمام وجهة النظر الرسمية السورية، تزامناً مع تخفيف اللهجة والمساحة الإخبارية المخصصة للملف السوري على أساس الأداء الحالي. ويؤكد المصدر أنّ القيادة السورية لم تندفع تجاه هذه المبادرة لأنّ «قطر متورطة في سفك الدماء السورية»، مطالبةً بأن ترى «تغييراً ملموساً أوّلاً»، علماً أنّها لم تصد أبوابها نهائياً. وكانت هذه المبادرة قد عرضت على الإيرانيين أوّلاً لكنّهم رفضوا التدخل لأنّ المسألة «سورية ــ قطرية».
التغيير لم يترجم على الشاشة بعد، إلا أنّنا بدأنا نلاحظ بعض التعديلات الطفيفة في ما تبثه «الجزيرة» حول سوريا. نشرت الفضائية القطرية في الفترة الماضية أخباراً عن تمكن «مجموعة تطلق على نفسها اسم الجيش السوري الإلكتروني من قرصنة مواقع حكومية قطرية»، وعن سقوط «عشرين قتيلاً من لواء الإسلام في كمين نصبته قوات النظام في العتيبة بريف دمشق».
وفي انتظار أن نشهد تغييراً فعلياً على الشاشة، الأكيد بحسب مقربين من ملف مبادرة الرسائل أنّ الدوحة مستعدة لأي تغييرات بشرية في القناة، ويُتوقع أن تتم على مستوى إدارة الأخبار ومقدمي البرامج. ويبدو أنّ البارومتر القطري يقترب من سوريا هذه الأيّام، لكنّ المسألة ليست إلا انعكاساً أميناً للتغيير في الموقف الأميركي وحلفائه تجاه عاصمة الأمويين. وإذا صدقت هذه الأنباء، فهل ستكسب المحطة القطرية مجدداً ثقة المشاهد العربي، خصوصاً بعدما أظهرت دراسة نشرتها مجلة «لو ماغ» هذا العام تراجع نسبة مشاهدة «الجزيرة» من 43 مليوناً إلى 6 ملايين؟
يمكنكم متابعة نادين كنعان عبر تويتر | @KanaanNadine
أميركا قبل النوم...
في 16 أيلول (سبتمبر) 2013، نشر مركز «بيو» الأميركي للأبحاث دراسة بعنوان «كيف تتعاطى «الجزيرة» مع الأزمة في سوريا»، تناولت أداء قنوات «سي. أن. أن.» و MSNBC، و«فوكس نيوز»، و«بي. بي. سي. أميركا»، و«الجزيرة أميركا» التي انطلقت في 20 آب (أغسطس) الماضي (الأخبار 24/7/2013) ، بهدف الخروج بخلاصات حول تعاطي الشاشة الوليدة مع الأزمة المستمرة منذ 31 شهراً. وتبيّن أنّ «الجزيرة أميركا» ركّزت في تغطيتها للأحداث الأخيرة على ضرورة التدخّل العسكري الأميركي في سوريا، وعلى ضرورة مساندة حلفائها لها، معتمدة في 43% من أخبارها على مصادر موجودة في واشنطن رغم وجود أكثر 60 مكتباً رسمياً لـ«الجزيرة» حول العالم. كما أنّ 66% من تقاريرها رصدت وجهة نظر الإدارة الأميركية.
6 تعليق
التعليقات
-
سامي كليبسامي كليب .. وأوهام إعادة إنتاج الأسد على حساب قطر رغم بشاعة وجه النظام السوري وصورته المقززة عالميا لهول الدم الذي سفحه في البلاد، إلا أنك تجد من يحاول تلميع هذه الصورة وإعادة إنتاجها بأية طريقة.. ربما يكون هذا مقبولا في العمل السياسي، أما أن يكون ممارسة إعلامية فهذا ما يندى له جبين المهنة الصحفية، ذلك أن مهمتها الأساسية كشف الوقائع وعدم الغش والخداع – على الأقل من أجل الإنسان-. لقد انبرى بالأمس الكاتب والإعلامي اللبناني سامي كليب، لمهمة التلميع الآنفة الذكر بمقال حمل عنوان "قطر تفتح خطوطا مع دمشق"... زمان الوصل
-
تبديلالمعلومات القريبة من اهل الجزيرة تفيد ان الحكومة القطرية تخطط لاطلاق فضائية من لندن تحل محل الجزيرة التي فقدت صدقيتها . ويقول متابعون ان الخراب الذي لحق بسمعة ومكانة المحطة لا يمكن اصلاحه ، فعدا عن انخفاض نسبة المشاهدة يتحدثون في قطر أعراض شرائح عريضة في النخب العربية عن الجزيرة فضلا عن غالبة الرافضين لافكار وممارسات جماعات الاسلام السياسي بعامة والإخوان بشكل خاص .
-
استبلاه المواطن العربيّ . عندما أطلقت القيادة القطريّة في منتصف تسعينات القرن الماضي قناة الجزيرة ، شدّت المشاهد العربيّ بجرأتها سواء في ما تبثّه من أخبار أو في تناولها لقضايا السياسيّة و الاجتماعيّة التّي كانت تعتبر من المحرّمات . لقد رأى فيها المواطن العربيّ إعلاما بديلا رصينا و نزيها للإعلام الرّسميّ المحنّط . و ظلّ متشبّثا بها رغم ابعادها عن كلّ ما يمسّ الإمارة الصّغيرة و صورة الحكم فيها ، و رغم فتحها الفضاء للصّهاينة الّذين أصبحوا يدخلون إلى البيوت العربيّة بلا استئذان . لكن مع اندلاع ما سمّي بالثورات العربيّة بدأ المشاهد العربيّ يلاحظ أنّ موضوعيّة القناة تلاشت بين عشيّة و ضحاها ، و أصبحت محرّضا أساسيّا على الإقتتال الدّاخليّ لا سيّما في سوريا و مصر . بل تجاوزت ذلك إلى صناعة الخبر الّذي يريده حكّام الدّوحة . و اعتماد مصادر هلاميّة لا يمكن التّثبّت من صحّة ما تنشره من أخبار . فظهرت مصادر غريبة و عجيبة من قبيل " ناشطون ميدانيّون " و " شهود عيان " ....و أصبحت بالتالي شريكة في سفك الدّماء العربيّة و في استبلاه المواطن العربيّ الّذي سرعان ما تفطّن إلى ذلك . فأهملها و مجّها مثلما مجّ الإعلام الرّسميّ قبلها . لكنّه و إن غفر للإعلام الرّسميّ جموده ، فإنّه لن يغفر للقناة الّتي حرّضت على الاقتتال و الفتنة .
-
السقوط الاخلاقي والمهنيالسقوط الاخلاقي والمهني المريع للجزيرة والذي انعكس انحدارا رهيبا في عدد متابعيها وجه ضربة قاسسمة للطموحات القطرية ودمر أحد أذرع العداون التي استخدمتها اميركا (تحت غطاء الجزيرة) لهد أسس وبنيان الدول العربية
-
لايمكن تقزيم دور الجزيرة الىلايمكن تقزيم دور الجزيرة الى هذا الحد فما فعلته في سورية والوطن العربي لا يمكن وصفه ولا حصره ولا يقتصر على ابتكار المصطلحات وتزويرها وهذا ليس مدعاة للفخر والتباهي فقد شرخت المجتمع السوري الى غير عودة وهناك أمثلة كثيرة وحقيقية على حوادث قتل بين افراد العائلة الواحدة بسبب الجزيرة ويكفي ان نذكر بانه في بداية الأحداث وفي الاشهر الست الاولى بأن مدن وقرى خرجت ضد النظام وهي تعتقد ان دمشق قد سقطت وقد لمست هذا عندما روى أحدهم انهم خرجوا في مظاهرات وحطموا مؤسسات الدولة وتماثيل النظام وتجرأوا على ذلك لأن الجزيرة صورت لهم مجازر وفظائع وأوهمتهم ان دمشق سقطت بيد المعارضة
-
نادين كنعان .. الجزيرة لم تقلنادين كنعان .. الجزيرة لم تقل أبدا عن قتلى المعارضة شهداء .. و لا في أي نشرة .. و لا حتى من المراسلين الميدانيين للمحطة .. للأسف جريدة الأخبار أصبحت النسخة اللبنانية من جريدة الوطن السورية ..