القاهرة | باستثناء مسلسل «العار»، يدرك المتابعون للإنتاج الدرامي المصري صعوبة أنّ يحقّق مسلسل مقتبس عن فيلم شهير النجاح نفسه الذي حققه الشريط. يعتمد صنّاع المسلسل على التكرار في تقديم تفاصيل فيلم أحبّه الجمهور بعد عقود طويلة على إنتاجه، مما قد يجذب أجيالاً جديدة من المشاهدين ويجعل الجيل الذي أحب الفيلم يتابعه من زاوية مختلفة.
انطلاقاً من هذا المبدأ، خاض صنّاع مسلسل «الزوجة الثانية» التجربة، مؤكدين أنهم يقدمون مقاربة مختلفة عن شريط صلاح أبو سيف ذائع الصيت (انتاج 1967، بطولة سعاد حسني، صلاح منصور، سناء جميل، شكري سرحان) المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه للأديب الراحل أحمد عباس صالح (1930 ـــ2006). لكن منذ الحلقات الأولى، لم تكن النتيجة مبشرة. لم يستطع الجمهور الفصل بين الأداء المبهر للسندريلا سعاد حسني واجتهاد الممثلة الشابة آيتن عامر في شخصية «فاطمة» الفلاحة الفقيرة التي يطمع بها العمدة العقيم، فيتفق مع زوجته قاسية القلب على أن يطلقها من زوجها ويتزوجها لينجب منها طفلاً، يُكتب باسم الزوجة الأولى. يسهّل هذه المهمة رجل الدين الذي يفسر النصوص على هوى الحاكم. لكنّ الفلاحة تنجح في إجهاض الخطة وتمنع العمدة من الاقتراب منها حتى بعد الزواج ثم يصاب بالشلل ويرحل غير مأسوف عليه، فتعود مرة أخرى إلى زوجها الذي طلّقها رغماً عنها.
القصة تغيرت كثيراً على شاشة التلفزيون، لكنّ تلك الإضافات لم تشفع لصنّاع المسلسل ومخرجه خيري بشارة لدى جمهور رمضان. على بالعكس، حققت نتائج عكسية كما يقول الناقد إيهاب التركي لـ«الأخبار». على سبيل المثال، تظهر زوجة العمدة (علا غانم) في أبهى صورها بل أجمل من الفلاحة الفقيرة، بينما كان طبيعياً في الفيلم أن يهوى العمدة سعاد حسني لأن زوجته (سناء جميل) لا تتمتع بقدر من الجمال يجعله ينسى مشكلة عدم الإنجاب. كذلك، فالشخصية التي تجسدها نجلاء بدر (هي غير موجودة في الفيلم الأصلي) تظهر كأنّها تقيم في مدينة أوروبية فتلبس ما تشاء من الأزياء، عكس التقاليد في هذه القرى البسيطة وفي الزمن الذي تجري فيه الأحداث أي قبل نصف قرن على الأقل. ولأنّ الممثل زكي فطين عبد الوهاب يطلّ في كل أعماله بلحيته البيضاء الشهيرة، لم يكن ممكناً أن يتخلّص منها في «الزوجة الثانية». هكذا، ظهر في شخصية ضابط الشرطة في «الزوجة الثانية» لكنّه أول ضابط شرطة ملتحٍ في تاريخ الدراما المصرية كأنّ الجمهور يشاهد زكي فطين عبد الوهاب نفسه لا الشخصية التي يجسدها. إلى جانب ملاحظات التركي، فإنّ شخصية العمدة قدمها عمرو عبد الجليل من نافذة كوميدية تتناسب مع أدائه كممثل كوميدي في السنوات الأخيرة، لكنها لا تتناسب مع منطق الشخصية التي كتبها أحمد عباس صالح وترجمها ببراعة على شاشة السينما الفنان الراحل صلاح منصور. كل ما سبق جعل المسلسل يخرج في صورة ضعيفة لا تناسب الاسم الكبير الذي يحمله، مما دفع عمرو واكد الذي يجسد شخصية أبو العلا زوج الفلاحة فاطمة، إلى مطالبة الجمهور بالصبر على الحلقات والتوقف عن المقارنة بين السندريلا وآيتن عامر. وأكّد الممثل المصري أنّ العمل يعتمد على كل أبطاله وليس على شخصية فاطمة فقط، معترفاً في الوقت نفسه بوجود «مطّ وتطويل» ملحوظ في الحلقات الأولى من المسلسل، مشيراً إلى أنّ المشاهد الأولى كانت تحتاج إلى إيقاع أكثر سرعةً. لكنه أرجع الأمر في النهاية إلى رؤية المخرج الذي يحقّ له أن يؤسس للأحداث الأساسية في المسلسل، مشدداً على أنه وفريق العمل تعمّدا عدم مشاهدة الفيلم منذ أن بدأا في الاستعداد للمسلسل حتى لا يتأثر أداؤهما بالنجوم الكبار وبرؤية المخرج الراحل صلاح أبو سيف (1915 ــــ 1996). وكان مشروع المسلسل قد انطلق قبل عامين بين مؤلفه ياسين الضوي والمنتج ممدوح شاهين، وتم ترشيح العديد من النجوم للأدوار الرئيسية، فذهبت شخصية فاطمة أولاً إلى رانيا يوسف التي اعتذرت سريعاً، مما أدى إلى تأجيل عرض الحلقات في رمضان الماضي. كذلك تم ترشيح باسم سمرة لشخصية العمدة، بعدما قرر فريق العمل أن يظهر شاباً لا كبيراً في السن عكس الفيلم، وتم ترشيح محمد رمضان لشخصية أبو العلا التي ذهبت في العمل المعروض حالياً إلى عمرو واكد.

«الزوجة الثانية» 4 صباحاً على «النهار»