لا بد من أن طريق الفتنة في لبنان يمر عبر وسائل الإعلام. تلعب الأخيرة الدور الأبرز في تعبيد طريق الحرب، عند كل استحقاق، بخاصة إذا كان قابلاً للاشتعال. بدأ السيناريو الذي كاد أن يتحول إلى نار حقيقية، مساء السبت، بخبر مفاده أن عدداً من الشبان تظاهروا في ضاحية بيروت الجنوبية قاطعين الطرق في بعض الأحياء، احتجاجاً على فيديو بثته قناة «أم. بي. سي»، يقلد أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله. الفيديو الذي هو كناية عن استكش ضمن برنامج «واي فاي» على «أم. بي. سي» (راجع المقال أدناه)، أثار حفيظة الشبان الذين تحولوا بدورهم إلى مادة دسمة تلاحقها العدسات.
تضخيم خبر التظاهر في ضاحية بيروت رداً على برنامج «واي. فاي»

لا تكمن المشكلة هنا، إذ كان الخبر ليمر مرور الكرام لولا جولات التحريض التي عملت المواقع والشاشات اللبنانية على بثها. فلتت مخيلة وسائل الإعلام من عقالها، وراحت تضيف على الخبر الأساسي البهارات والتوابل والمقادير الضرورية لإشعال «ميني» حرب أهلية. هكذا، امتدت نيران الأخبار من المشرفية والغبيري في الضاحية، لتصل إلى الشويفات وسبيرز وطرابلس... واستُتبع الخبر بتغطية وهمية ومبالغ بها من المناطق. وأوردت بعض المواقع أخباراً عن إشعال إطارات في طرابلس ومنطقة الطريق الجديدة، رداً على الشبان في الضاحية، لكن سرعان ما دحض رواد مواقع التواصل الاجتماعي ذلك. ووصل اللهيب إلى حد بث خبر عن إطلاق نار في منطقة الشويفات، ما لبث أن تبين أنه مفرقعات أطلقت خلال عرس وفق «الوكالة الوطنية للإعلام». وسُجّل انتشار أمني قرب استوديوهات «أم. بي. سي» في ذوق مصبح تحسباً لأي تحركات. كما طال الشحن مناطق عدة مثل طريق بولفار سن الفيل باتجاه الصالومي وبعلبك.
هكذا، شهدت الساحة اللبنانية ليلة السبت حالة كر وفر بين وسائل إعلام غير مسؤولة تسابقت على نشر الأخبار المشتعلة وإضافة بعض «الإثارة» إليها. من جهتهم، انقسم ناشطو مواقع التواصل بين «منفعل» وقع في فخ الاستدراج، وواعٍ يحاول إخماد وهج الأخبار، وتكرار البيانات الأمنية الرسمية التي أوردت مراراً عن «عودة الأمور إلى هدوئها». عادت الساحات إلى طبيعتها، بينما واظبت بعض الوسائل الإعلامية في ممارسة دورها المغلوط الذي اعتدناه في كل استحقاق خطير. الخبر في الأذهان، كالنار في الهشيم، يشتعل ويحرض، إن لم يكن مسؤولاً.