استقالة مدوية: من المحطات المهمة في الصحافة الأردنية (والحياة السياسية عامة) استقالة أول وزيرة إعلام (ليلى شرف) في العام 1985 احتجاجاً صارخاً على السياسة الحكومية، حيث مثلت رسالة الاستقالة الطويلة نقداً لسياسات الحكومة بما فيها بمجال الإعلام، وقد أحدثت صدمة لدى صانعي القرار لا سيما وأنها جاءت من البيت الداخلي (الوزيرة هي أرملة رئيس الوزراء الراحل عبد الحميد شرف (1939 – 1980)، لبنانية الأصل وكانت تحمل الجنسية اللبنانية قبل زواجها من الطالب الأردني في الجامعة الأميركية في بيروت في بداية ستينيات القرن الفائت.
تجارة رئيس التحرير المسؤول: تتضافر قوانين المطبوعات والنشر الذي يشترط لاستمرار صحيفة بالصدور وجود رئيس تحرير بخبرة عشر سنوات، مع قانون نقابة الصحفيين الذي يضع العراقيل الجمة أمام انضمام الصحفيين لعضويتها، لتجعل من إيجاد رئيس تحرير أمراً ليس يسيراً، لذا ابتدعت الصحافة الأردنية تعبير "رئيس تحرير مسؤول" إلى جانب وظيفة "رئيس التحرير": الأول مجرد لازمة من لوازم الصدور، أما الثاني فهو رئيس التحرير.
في مرحلة ما أضحى هذا مصدر منفعة لأعضاء نقابة الصحافيين؛ ولكن بما أنه هو بالذات مسؤول أمام القانون، لم يكن من النادر أن يتحول القائم بهذه المهنة إلى رقيب داخل الصحيفة، فهو بالأصل رضي بالمنصب ليتقاضى راتباً، لا لتقاضيه دائرة المطبوعات والنشر في المحكمة. ومن الجدير ذكره ـ في هذا السياق ـ أن بعض الصحف ذهبت إلى ابتداع منصب "رئيس هيئة التحرير" لتنفيع ممن هم خارج عضوية النقابة وشارع الصحافة.
قوانين المطبوعات: الحاجة الدائمة إلى خصائص الرمال المتحركة تقتضي أن يعيش الأردن في ظل قوانين غير مستقرة، تحيط بها دوماً رغبة عامة في التخلص منها؛ فمثلما أن هنالك ـ على الدوام ـ قانون مطبوعات جديد لا يلبي الحاجة، وينقلب عليه حتى أنصاره في اليوم التالي للانتخابات، هناك أيضاً على الدوام قانون مطبوعات ونشر جديد، يثير الجدل والحفيظة أكثر من قدرته على تنظيم المهنة وتطويرها.
"الميثاق".. تجربة موؤدة: في النصف الثاني من تسعينيات القرن الفائت جاءت تجربة صحيفة "الميثاق" الأسبوعية، التي سعت نحو تشكيل تيار وطني أردني بالاستفادة من حالة العداء لـ"وادي عربة"، بينما جاء اسمها ليربطها بصحيفة معارضة أردنية وطنية ظهرت في ثلاثينيات القرن الماضي، ولتحيل على "الميثاق الوطني" الذي تم إقراره على إثر "هبة نيسان" 1989، وتجاوز عليه النظام في ذلك الحين.
شكلت الصحيفة إزعاجاً حقيقياً للسلطات التي كانت تجاهد مع المجتمع لتسويق "وادي عربة" في مرحلة انكشافه، ويعتقد أن هذه الصحيفة كانت أحد أهم أسباب قانون المطبوعات والنشر القاسي الذي سنته الحكومة في العام 1997، وقاد إلى نهايتها وإلى تعرض مؤسسها (ناهض حتر) لحملات "تأديب جسدية"؛ وعموماً، مثلت تجربة "الميثاق" ذروة عصر الصحافة الأسبوعية في الأردن، وانهيارها كان شهادة وفاة لها، أو بالأحرى كان وأداً لصحافة واعدة.
الصحافة الثقافية: كانت الملاحق الثقافية في الأردن متعددة، وتنافسية، وثابتاً أسبوعياً تحرص عليه الصحف الأردنية، إلا أن هذه المساحة لم تلبث أن تهاوت في أوقات متتالية، ولكن وفق سيناريو "منضبط"، تخفيض النفقات، ثم حجبها، ثم تخفيض عدد الصفحات، ثم ضم الملاحق إلى الملزمة الأصلية، وبعدها الاكتفاء بالصفحات الخبرية اليومية.
التنازل عن الملاحق الثقافية، لم يمنع الصحف الأردنية من ابتداع شتى أنواع الملاحق الأخرى: "شباب" و"المرأة"، وغيرها. ولا داعيَ للحديث عن "اللايف ستايل" والملاحق الرياضية، فهذه أضحت واحدة من "الملازم" الأصلية التي تتكون منها الصحيفة الواحدة.