من اسطنبول إلى بيروت

  • 0
  • ض
  • ض

في إسطنبول ولد برج فازليان عام 1926، وكبر مع اهتمام والده هايك بالمسرح، لينتقل هذا الشغف مبكراً إلى برج. بنى في منزله مسرحاً صغيراً من الخشب وأسس أول فرقة مسرحية مع رفاقه في الصف. والده المعارض الشرس للحكم التركي كان وراء إرسال ابنه للتعلم في «أكاديمية المسرح الخاصة» في إسطنبول. هناك، تلقى الشابّ تعاليمه من أستاذه الألماني كارل إيبرت، الهارب من استبداد النازية. بعد أربع سنوات قضاها في الأكاديمية، وتخرّج بصفة مخرج مسرحي، اتجه إلى مؤسس المسرح التركي الحديث محسن آرطغول، لصقل خبرته ومعارفه، فكانت باكورته الإخراجية «البخيل» لموليير التي قدّمها على المسارح التركيّة. كان آرطغول تلميذ ستانسلافسكي، الذي سيترك تأثيراً كبيراً في حياة برج. بين عامي 1940 و1945 اشتد الاضطهاد في تركيا، وخصوصاً ضد الأرمن، ولم تكن تجربة برج سهلة، إذ عانى من الخدمة العسكرية الإجبارية هناك. حينها، طلب منه آرطغول أن يخرج من تركيا، وأن يعده بألا يترك المسرح أبداً. والده دفعه أيضاً إلى الخروج من تركيا، فكان انتقاله إلى لبنان عام 1951. في بيروت، قدم مسرحية «البخيل» لموليير مجدداً عام 1953 وكانت انطلاقة شهرته في الأوساط الثقافية هنا حيث صار اسمه يتردّد في الصحف الأرمنية. هكذا تلقى دعوة من أرمن سوريا لتقديم المسرحية نفسها مرة ثالثة هناك. وقد شكلت هذه المسرحية باباً للانغماس في العمل أكثر، فأسس نواة المسرح اللبناني مع أندريه جدعون وشريف خزاندار، ثم تعرف إلى ممثلين ومخرجين لبنانيين أمثال جلال خوري، وريمون جبارة ولطيفة وأنطوان ملتقى. اقترح عليه هذا الأخير تقديم أحد أعمال شكسبير، فاختار «كوميديا الأغلاط» التي «تخلو من الفلسفة» وفق تعبيره لتقدم في مهرجان راشانا عام 1963. بعد نجاح العمل، تلقى اتصالاً من الشاعر الراحل أنسي الحاج، يبلغه حاجة الأخوين الرحباني إلى مخرج مسرحي. كانت هذه بدايته مع الثنائي التي ستستمر إلى فترة طويلة. وبالتوازي مع تجربته بالمسرح الغنائي الفولكلوري، رافق فازليان الفترة الذهبية للمسرح اللبناني الحديث، فأخرج أعمالاً مهمّة وفارقة؛ أبرزها «الزنزلخت» (1969) للمسرحي الراحل عصام محفوظ أدى بطولتها نبيه أبو الحسن وريمون جبارة وفيليب عقيقي، و«اللعب عالحبلين» من اقتباس ريمون جبارة وبطولة شوشو (حسن علاء الدين). علاقة برج الاستثنائية مع بيروت ومحترفها المسرحي الحديث، ستنتهي مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، حيث ترك مسكنه في منطقة الظريف، وهاجر إلى كندا وبقي فيها عشرين عاماً. لكن رجوعه ترافق مع عودة إلى الخشبة، حيث أنجز مسرحيّة «جبران خليل جبران» (1996) عن نص غبريال بستاني، و«حبل المشنوق» (1999) للكاتب الكندي روبير غوريك الذي كان قد قدمه خلال إقامته في كندا. آخر إطلالته على الخشبة كانت من خلال دوره كممثل في مسرحية «أوبرا الضيعة» لفرقة «كركلا» عام 2012. على الصعيد الشخصي، تزوّج برج بالفنانة التشكيلية وعازفة البيانو سيرفارت كريكوريان وأورثا الفن إلى ابنهما المايسترو هاروت فازليان مؤسس "الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية". وبالعودة إلى المسرح، خاض أحد أبرز رواد الخشبة اللبنانية تجربة استمرت لأكثر من نصف قرن مقدماً حوالى 160 مسرحية؛ أبرزها «الأب» (1960) و«الوريث» (1961)، و«فاسكو» (1964) و«الموسم» (1969) و«طرطوف» (1970) و«اثني عشر رجل غضبان» (1971) و«أخوت شاناي» و«نابليون» (1973) ، و«الشاطر حسن» و«أبو علي الأسمراني» (1974) وغيرها من الأعمال.

0 تعليق

التعليقات