صلاح ليس الشخصية الشهيرة الوحيدة التي اعتصمت بالصمت طوال الأيام العشرة الماضية. منهم من قرر الكلام أخيراً بعدما تأكّد للجميع أنّ الحرب ستطول والصمت على ما يجري في غزة سيستحيل عاراً قد لا يمحوه الزمن. غير أنّ أسباباً عدّة حوّلت «أبا مكّة» إلى هدف لقصف جماهيري غير مسبوق، أهمّها على الإطلاق إدراك التأثير الذي يملكه «فخر العرب»، وخصوصاً في الإعلام البريطاني، وهو الذي يتصدر الصفحات الأولى طوال الوقت. وبالتالي، فإنّ أي كلمة دعم كانت ستخرج منه، ولو عبر صورة أو تغريدة، كانت ستجد طريقها للنشر في وسائل إعلام عالمية، ما قد يحقق ولو قدراً من التوازن مع الآلة الإعلامية الإسرائيلية والغربية الممعنة في التضليل، وتحاول النجاح في ما فشل فيه جيش الاحتلال. هذه المؤسسات هاجمت المقاومة بضراوة وشوّهت صورتها إلى حد ترويج الرئيس الأميركي جو بايدن لأكذوبة الأطفال الأربعين الذي ذبحتهم «حماس» قبل أن يتراجع ويعتذر عنها.
أما السبب الثاني، فهو أنّ صلاح لا يستطيع التعبير عن رأيه السياسي بسبب التزاماته التعاقدية كونه لاعباً في نادٍ إنكليزي. سبب كان يخفف من حدّة الهجمات ضد محبوب جماهير الـ «ريدز»، إلى أن تحرّك زميله في مشوار الاحتراف، نجم «آرسنال» محمد النني. فقد نشر الأخير صورة للمسجد الأقصى معلناً تضامنه مع الفلسطينيين، ليجد صلاح نفسه في «مصيدة التسلّل»، بعدما تحمّل النني انتقادات واسعة من رابطة مشجعي «آرسنال» اليهود. وسبقت ذلك تحركات من لاعبين دوليين آخرين، أمثال السنغالي ساديو ماني والجزائري رياض محرز اللذين يلعبان في الدوري السعودي. ثمّ تحرّك أخيراً مهاجم المنتخب المصري، أحمد حسن كوكا، ليصبح صلاح الصامت الوحيد من دون مبرّر مقنع للملايين المصدومين به.
يُضاف إلى كل ما سبق أنّ صلاح موجود حالياً مع المنتخب المصري في معسكر تدريبي في أبو ظبي. ولعب الفريق يوم الجمعة أمام زامبيا بمشاركة «الملك المصري»، على أن يلعب اليوم الإثنين أمام الجزائر. انتظر جمهور المحروسة أي تحرك من قبل نجمه المحبوب، غير أنّ هذا لم يحدث لغاية كتابة هذه السطور. وإن كانت هناك تعليمات للجمهور المصري في أبو ظبي بعدم حمل العلم الفلسطيني في مباراة زامبيا، لكن يفترض بنجوم الكرة أن يعثروا على طرق بديلة إذا أرادوا فعلاً إحراز الأهداف. والمطلوب فقط هزّ الشباك الإسرائيلية بموقف تضامني يُفيد ولو معنوياً المحاصرين في غزة.
يرى محبّو نجم الكرة المصري أنّ تغريدة منه «لن تحرّر القدس»
الدعم المعنوي كان نقطة الجدال الأسخن بين «الصلاحيين» والمنتقدين. محبّو محمد صلاح يرون أنّ تغريدة منه «لن تحرّر القدس»، وأنّ التوقف عن متابعته لن يضره في شيء من جمهور معدوم الحيلة يرمي بحمله على الشخصية المصرية الأهم عالمياً. لكن هذه التبريرات سقطت سريعاً أمام صمود موقف المهاجمين الذين ذكّروا «الصلاحيين» بأنّهم وقفوا وراءه في كل الاستفتاءات، وتابعوه منذ كان احتياطياً في فريق «تشيلسي» الإنكليزي، صفّقوا له طويلاً وهتفوا باسمه كثيراً. لكن عندما أرادوا منه كلمة لم يسمعوا إلا صمتاً، كأن صلاح اختار ما يجري في غزة ليطبق عليه عنوان كتابه المفضّل «فن اللامبالاة». سكت محمد صلاح في وقت يعدّ فيه الكلام واجباً. والكل الآن ينتظر ما إذا كان سيخرج من هذه الأزمة بسلام ويستعيد احترام متابعيه، أم سينضمّ فعلياً لضحايا «طوفان الأقصى».