«من بيروت... هنا القدس»، عنوان معبّر لمعرض فنّانين شبّان اختتم أمس في «دار النمر» في بيروت. المعرض نتاج ورشة عمل أقامها «مركز الجنى» شارك فيها رسّامون هواة واستندت إلى لوحات معروفة عن القدس، شكّلت مصدر إلهام لهم كي يعيدوا إنجازها وفق رؤاهم الخاصة، ودوماً من خلال محاكاة الأصل، إنّما مع تبسيط وإعادة بناء وتشكيل خاصّين لكلّ رسّام شاب مشارك في هذه الورشة الفنّية الجميلة التي تعيد تعريفهم بمدينة القدس تاريخاً وأهمّيةً وفرادةً ورمزاً للقضيّة الأم فلسطين. وصف هذا الحدث بأنّه «رحلة فنّية وجدانيّة»، وهو كذلك حقّاً، بدعم من «مؤسسة التعاون» وبتمويل من «الصندوق العربيّ للإنماء الاقتصاديّ والاجتماعيّ».
من أعمال المعرض

في المعرض لوحات ذات معان مباشرة كالحنين والعاطفة والأسى، مقابل لوحات أخرى تدعو إلى المواجهة والنضال. لكنّ القدس تبقى رمزاً جامعاً لكلّ الأعمال تاريخاً ورمزاً وقضيّةً. المقدّسات، الوجوه الفلسطينيّة القديمة، المعابد الإسلاميّة والمسيحيّة، البيوت التراثيّة، الأحياء، الأزقّة، الأسواق العتيقة قبل الاحتلال وبعده، من تغيير لبعض المعالم وتهديد بتدمير بعضها الآخر على يد العدوّ المحتلّ والساعي إلى تبديل الهويّة والتاريخ. لوحات متنوّعة الرؤى والهواجس والأساليب في شبكة بصريّة ولونيّة من النسيج الاجتماعيّ والحياتيّ الذي يميّز المدينة ويبرز أصالتها وهويّتها العربيّة الأساسيّة، وكذلك حالة القهر تحت الاحتلال ومعاناة البشر والحجر معاً.
الريشة واللون أداتان لأولئك الرسامين الشبّان ووسيلتان لحماية تراث القدس من النسيان. واللوحات ذات مقاسات متفاوتة، يوثّق بعضها للمسجد الأقصى، أو للكنائس، ومنها بالألوان أو بالأبيض والأسود، ‏تبعاً لموضوع اللوحة وما ترمز إليه وما توحيه العمارة التراثية العريقة والحارة القديمة والجمال الطبيعيّ… والكلّ بأسلوب بسيط، واقعيّ، مفعم بالمشاعر التي تعكسها الألوان الزاهية كالأصفر والأخضر والأحمر وسواها، أو الأبيض والأسود و الرمادي. ثمة بلا شك تناقض في المشاعر، بين حزن وفرح، أمل وانكسار، حنين إلى ماضٍ وأسى على حاضر. القدس في أيّ حال تتجاوز في هذه اللوحات الرمزيّة الدينيّة الخاصة إلى ما هو وجدانيّ وإنسانيّ ووطنيّ متّصل حكماً بالأمل في استعادة الوطن المحتلّ وعنوانه الأوّل والأبلغ القدس، مهد الحضارات والأديان والأصول الكنعانيّة.

بشرى ياسين (الجية ـ لبنان)

يضمّ المعرض نحو أربعين لوحة عن المدينة الراسخة في الضمير الفلسطينيّ العربيّ، وفي الوجدان الدينيّ والإيمانيّ، وقد كانت طوال قرون ملهمةً لرسّامي الأرض قاطبةً، شرقاً وغرباً، ومرتعاً للمستشرقين، ومشهداً جاذباً لأشهر الرسّامين من مختلف الجنسيات بمعالمها الأثرية وهضابها وقببها ومآذنها وأبراج كنائسها وحاراتها الجميلة. إنّها المدينة الفريدة التي يربو تاريخها على خمسة آلاف سنة، أي قبل أن توجد الديانات كلّها وفي مقدّمتها اليهوديّة. وها هم صهاينة العصر الحديث يأتون لمحو هذا التاريخ وزعم امتلاكه، ساعين إلى جعل المدينة الموغلة في التاريخ والقِدَم «عاصمة أبديّة» لهم، بفجور ما بعده فجور!
شبكة بصريّة ولونيّة من النسيج الاجتماعيّ والحياتيّ الذي يميّز المدينة


هذا المعرض الشبابيّ الجميل يبعث أملاً مزدوجاً، وطنيّاً أولاً، وفنّياً ثانياً، والميزة أنّه يجمع الفنّ والقضيّة الوطنية في رؤية واحدة (على تنوّعها) ووجدان واحد، صوناً للقدس من النسيان، وحفظاً للحقّ الذي سيعود حتماً. يكفي أنّ صورة القدس تزداد رسوخاً عبر الأجيال.
ولذلك لا تنطفئ الشعلة ولا تضمحلّ الصورة من الذاكرة. ولا ننس أن هذه التحيّة إلى القدس مرسلة من بيروت.