بعد موسوعة الخيام التي وثّقت الحركة اللبنانية الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، أنجز «مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب» موسوعة «أمهات يكسرن الصمت» التي توثّق جوانب من نضال أهالي المفقودين في لبنان. الكتاب الصادر عن «دار الفارابي»، سوف يطلق في شهر آب (أغسطس) المقبل بالتزامن مع «اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسراً». الموسوعة الجديدة أدرجها المركز في إطار «إبقاء الذاكرة حية لعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات المروّعة وصياغة تشريعات قانونية واجتماعية تُجرم الاختفاء القسري وتحاسب مرتكبيه وتنصف ضحاياه وتجبر الضرر و ترد الاعتبار الفردي والجماعي لهم» كما جاء في مقدمة الكتاب. وبحسب معد الموسوعة ومؤسّس المركز محمد صفا، فإنّها دعوة إلى فتح ملف الاختفاء القسري في لبنان وفلسطين والبلدان العربية.


الموسوعة ليست توثيقاً كاملاً للأنشطة المختلفة التي نظمت طوال سنوات في إطار القضية، بل تتضمن توثيقاً وتلخيصاً لتجربة تاريخية عن ضحايا الاختفاء القسري في لبنان منذ عام 1982. تتألف الموسوعة من سبعة فصول استمدت من عمل مركز الخيام و«لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية»: أولها أمهات يكسرن الصمت يتحدثن عن تجاربهن في فقد أبنائهن وأقاربهن ونضالهن من أجل كشف الحقيقة. وثاني الفصول، قانون المفقودين والهيئة الوطنية للكشف عن مصيرهم، إضافة إلى فصل خاص عن ذكرى 13 نيسان 1975 أو بداية الحرب الأهلية في لبنان والأنشطة السنوية التي نظمت في 26 حزيران (اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب) وفي 30 آب (اليوم العالمي ضد الاختفاء القسري).
توقف الكتاب كذلك عند أول وثيقة عن المفقودين أصدرتها لجنة الخيام في مؤتمر صحافي عُقد في 12 تموز (يوليو) 1995 في نقابة الصحافة اللبنانية، تبعتها مئات الأنشطة في لبنان والخارج. وكان مركز الخيام من المبادرين الأوائل لتقديم الدعم الصحي والنفسي والاجتماعي لخيمة أهالي المفقودين أمام الإسكوا وفي مقرّه الرئيسي في كورنيش المزرعة و«بيت الأسير اللبناني» في الجنوب، فضلاً عن الحملات التضامنية مع المعتقلين والمفقودين في سجون الاحتلال الإسرائيلي أو خلال الحرب الأهلية أو في سوريا والعراق وليبيا وأعزاز.
يروي صفا تجربته مع قضية المفقودين، قائلاً: «لم يكن النضال والبحث والتقصّي عن ضحايا الاختفاء القسري سهلاً، كأنك تبحث في أكوام القش عن أشباح أو خرم إبرة.
ما زالوا يحتفظون بملابسهم وفرشاة أسنانهم وحتى جواز سفرهم

فتأتيك أخت أو أمّ مفقود تقف أمامها مرتبكاً عاجزاً: اسمه «أحمد» خُطف أثناء ذهابه إلى العمل فتعطيك اسماً ورقم الهاتف للاتصال... أو حينما نكون في اعتصام أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فيقترب والد أحد المفقودين ويعطيني قصاصة ورق عن اسم ابنه وتاريخ ولادته وصورته، وأحياناً أتلقى اتصالاً هاتفياً من شقيق أو أخت وقريب. كثيرون منهم ماتوا ولا يعرفون مصير أحبائهم. ما زالوا يحتفظون بملابسهم وضحكاتهم وسعالهم وحتى فرشاة الأسنان وجواز السفر، وبين فترة وأخرى ينظفون ثيابهم، وكل صباح يرتبون غرف نومهم، وأثناء الطعام، الصحن والملعقة والكرسي الفارغ تنتظر «مارون» و«محمد». من هؤلاء أم عزيز التي فقدت أربعة من أبنائها في مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982 قالت لي: «أحياناً في الليل أنتظر طرق الباب وأنهم عادوا». أحد الآباء ورغم دفن ابنه الشهيد، جاء مرة إلى نقابة الصحافة يسأل الأسرى المحررين عن ولده».
ووجهت مقدمة الكتاب التي وقعها مؤسس المركز محمد صفا، تحيةً إلى غازي عاد الرئيس السابق لـ «جمعية أهالي المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية» ورئيسة «لجنة أهالي المفقودين في لبنان» وداد حلواني والنقابي المغربي الحسين المنوزي والمحامي الراحل سنان براج.