‏لوحات بالأكريليك ملوّنة، مزخرفة، ذات أحجام متفاوتة، تعكس ولع الفنان العصاميّ آرام جوغيان (1959) بالطبيعة التي شكّلت موضوع معرضه الذي اختُتم أمس في «غاليري تانيت» تحت عنوان «ألعاب ناريّة». لجأ الفنان إلى الألوان، ليفجّر بهجةً وتفاؤلاً طغيا على كلّ جزء من أعماله، نازعاً إلى التجريد والإدراك العفوي للشكل والحركة والانفعال وسط عالم من الأضواء والإيماءات. لوحات جوغيان مشبَعة بالتعرّجات الغنائيّة التي تحاكي التنويعات الموسيقيّة. موسيقى بصريّة يرفدها الشعر لتغدو أشكالاً من التعبير الغنائيّ. وهو يستند إلى الغريزة في رؤاه التشكيليّة، حتى إنّه لا يتردّد في إقحام ‏الصحف والمجلات والوسائط المتنوّعة التي تحوّل الخبر العادي إلى سردي، والواقعي إلى خيالي.

«سيدة البرقوق» (أكريليك على كانفاس ــــ 192 × 207 سنتم ـــ 2022)

‏معارضه قائمة في انتظام منذ عام 1975 حتى باتت له شخصيته التشكيليّة الفريدة المتكوّنة من تراكم الخبرة. سريعٌ ومُتْقِن في الوقت نفسه. ملوانته حرّة، لونيّة مجزّأة، مرتجلة إنّما ذات هاجس حرفيّ جلي، والدفق الشعريّ يتحكّم في حركة يده، بلا استعداد أو تنضيد. غنائيته كامنة في الدراما اللونيّة، مبتكراً نصّاً تشكيليّاً تتحوّل مفرداته تحت ضربات ريشته علامات تدلّ على الانفعال والحركة والثرثرة اللونيّة التجريديّة اللطيفة. السرعة في إنجاز اللوحة أسلوب مؤسّس لتعبيريّته الغنائية، ما يولّد علاقة مختلفة للفنان مع لوحته. حالات لونيّة، شعريّة، سرديّة، لا تخلو أحياناً من الثرثرة. تنطق لوحاته بالتجريد الغنائي الممتزج بالحواسّ التي تفضي إلى سكون لونيّ مبهج. تتشابك الألوان وتشتبك مع الأفكار فوق مساحة اللوحة مهما كبر مقاسها أو صغر. شراهة لونيّة تنشرها يد بارعة تعبّر عن إحساس داخلي بالاستعارة اللونيّة ذات التكوينات والكتل المتداخلة على مساحة الكانفاس، كي تتحوّل إلى تكوين بصري متكامل.
طلاء الأكريليك رشيق، جريء، ذو توازن مقبول. طوّر آرام جوغيان تقنية لا يستخدمها إلاّ قلّة. هنا يظهر لنا بوضوح تأثّره بالفن التجريدي الأميركي. ينأى بفرادته عن استخدام الأدوات ليعتمد فقط على أنابيب الطلاء، لابتداع قطعة فنية جميلة تحتفي بالطبيعة وألوانها، بحالة انفعالية متفاوتة. ومن أبرز ملامح تجربته الفنية المزج بين التجريد الغنائي والألوان النقيّة، والنزعة السوريالية بعيداً عن السرد المباشر، والاستعانة بالدلالات الرمزية التي تفصح عن روح طفولية راسخة فيه.
نظن أنّ زيارة هذا المعرض حاجّة لكل منّا لنيل قسطٍ من الراحة النفسية في أزمنة القنوط والكآبة. عين المتلقّي تنجرف أمام لوحات آرام إلى أحاسيس قويّة تنجم عن إيماءات اللون وجنونه وإيماءاته، وعن موسيقى بصريّة لفتنا إليها. لوحات تبثّ فينا شعوراً بالأمل، ولا سيّما إزاء تلك اللوحات التي ترى إلى أفق مدينتنا بيروت.
غنائيته تكمن في الدراما اللونيّة


يدلّ مصطلح automatism أو التلقائيّة في الفنون البصريّة على أسلوب الرسم اللاواعي، وقد شاع كنوع من التطبيق العمليّ لنظريّات فرويد المتّصلة باللاوعي بعدما تلقّفها الفنّانون والشعراء (في مقدمهم روّاد الحركة السوريالية التي «تزعّمها» بروتون وأراغون وإيلوار وآخرون) لتوجيه مسارات التعبير ذي الدفق الشعوريّ «الأوتوماتيكيّ» الحرّ، ولإطلاق العنان للقوّة الإبداعية الكامنة في اللاوعي. إنّه جانب أساسيّ في أسلوب آرام جوغيان وتعبيره ﺍﻟﺘﺸﻜﻴﻠﻲّ. فالفن، بالنسبة إليه، خاضع لمشاعره وأفكاره وذاته الخاصة الفريدة.