محزنٌ لأهل فنّ النحت ومتابعي حركته غياب النحّاتة ذات السمعة العالمية ميراي إدوار حنين (كفرشيما 1948 ـــــ باريس 2022). انطفأت شعلة إبداعها قبل أسابيع في باريس، تاركةً وراءها إبداعاً وإتقاناً وبراعةً. صنيع فنّي بلغت أصداؤه عواصم عالميّة تقدّر الإبداع وتحتضنه، خصوصاً باريس. علماً أنّ ميراي لم تغفل حضور وطنها في أعمالها وذاكرتها ووجدانها رغم استقرارها في عاصمة الأنوار منذ عام 1979. في بيروت، أقامت تمثالاً برونزيّاً بديعاً بلغ ارتفاعه مترين وعشرين سنتمتراً ومنحته اسم «قراءة». نحتت ميراي حنين ثنائيات، شرق وغرب، امرأة ورجل، ومزجت مراراً بين فنَّي النحت والتجهيز. تميّزت أعمالها بالتجريد وتنوّع المواد، مع أرجحيّة للبرونز ‏بنوعيه، المصقول وغير المصقول، فضلاً عن مادة الريزين مع بودرة الرخام. والإنسان فرداً، أو ثنائياً، يمثّل موضوعاً أساسيّاً لها، والمرأة لديها ذات قوام بهيّ بين رقص وجلوس وانحناء. يصعب للمتابع أن ينسى معرضها «ما تلبسونا». يومها، عرضت ميراي من صنعها وتصميمها 31 فستان زفاف من الدانتيل الأبيض وورق التغليف، متدلّيةً بين أربع شجرات على كورنيش بيروت. كان هذا العمل التجهيزيّ يرمز إلى 31 يوماً عاشتها نساء «مغتصبات» أُرغمن على زواج قسريّ، مسلوبات حقوقهنّ الإنسانيّة البديهيّة. وكانت فكرتها هذه لخدمة حملة «الأبيض ما بيغطّي الاغتصاب». أضف إلى ذلك أنّ التزامها بالقضايا النسويّة ألهمها منحوتات عديدة، بينها عمل حول موضوع الزواج يتّصل بإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني التي تغطّي «قانونياً» فعل الاغتصاب. واختير عمل لها حول قضيّة المرأة والجسد لمعرض «المرأة في الفن» في باريس عام 2019.
المرأة الحرّة كانت دوماً الدافع المحرّك لرحلتها الفنيّة، مثلما أنّ الرجل هو بدوره عنصر مكمّل لمنحوتاتها. لا تتوقّف ثيماتها الفنيّة عند هذا الحدّ، بل تتعدّاه إلى المواضيع الإنسانية المستمدّة من الأساطير اليونانية ‏والفينيقية حتّى أُطلق عليها «نحّاتة الأساطير»، وزيّنت أعمالها عدداً من الساحات في المدن الفرنسية. كما أنّها نحتت العري بفرادة وابتكار، معيدةً خلقَ الجسد على هواها. وهي إلى ذلك فنّانة عميقة الثقافة، اطّلعت على تاريخ النحت ومدارسه في مختلف الحضارات والأجيال.
عاشت ميراي حنيناً مزدوجاً متعاكساً بين بيروت وباريس. تغادر إحداهما فتحنّ إلى الثانية. درست الحقوق في «جامعة القدّيس يوسف» في بيروت، ثم حازت شهادة الدكتوراه في الإعلام من «السوربون» في باريس عام 1978، قبل أن تتفرّغ للنحت عام 1988. أعمالها محفوظة وموزّعة بين عواصم غربيّة متفرّقة، وقد أقامت معارض منفردة في غاليريات لبنانية وغربيّة. كانت سفيرة مميّزة للنحت اللبناني، وبخاصة في فرنسا حيث عرضت برونزيّاتها التي تدلّ على أسلوبها الخاصّ بين مختلف الأساليب. بقي لبنان ماثلاً خلف منحوتاتها وضربة إزميلها، ومثله كفرشيما التي أحبّت وتحتضن رفات أهلها.