لا تزال مدينة «غوثام» مظلمة، ولا يزال الفساد منتشراً، لكنها لم تكن أبداً واقعية كما رأيناها في فيلم «باتمان» الجديد (إخراج مات ريفز). لا يعني ذلك أنها كانت نموذجاً من قبل، ولكن مستوى الفساد فيها اليوم موجود في الصميم، إلى درجة أن ريدلر (بول دانو) الذي يريد تحقيق العدالة، يذهب إلى أكثر الطرق شراً لتحقيقها. في ليلة هالويين، بدأت سلسلة من جرائم القتل الوحشية ترعب المدينة. رايدلر القاتل، يستهدف سياسيّي وقضاة وشرطة غوثام. حدث هذا بعد سنتين فقط من بدء باتمان (روبرت باتنسون) التجوال في المدينة في الليل، مرعباً المجرمين. «باتمان» لا يزال جديداً، لا أحد يثق به باستثناء المشرف غوردن (جفري رايت). من خلال جرائم القتل، والألغاز التي يتركها جنب ضحاياه، يفضح ريدلر النظام والأشخاص الفاسدين الذين يحكمون المدينة. يؤدي ذلك إلى أن يمارس باتمان دور المحقّق وحارس المدينة أكثر من أن يكون بطلاً خارقاً. من ناحية، يثبت أنه ذكي جداً في تحقيقاته والوصول إلى المجرم، ومن ناحية ثانية، لا يتردد في أن يكون قاسياً مع المجرمين والفاسدين.

مع تقدم التحقيقات، أصبحت خطط ريدلر واضحة، ويجب على الرجل الوطواط إقامة علاقات لا يريدها مع كارماين فالكون (جون تورتورو) وبانغوان (كولين فارل)، والرجوع إلى ماضي المدينة وماضيه من أجل الكشف عن الجاني ووضع حد لإساءة استخدام السلطة والفساد الذي ابتليت به المدينة. تساعده في ذلك سيلينا (زوي كراڤيتز) التي تدخل التحقيق بسبب رغبتها في الانتقام، لكن القضية تحمل أسراراً أكبر بكثير مما قد يعتقده أحد في البداية. هكذا تبدأ رحلة باتمان الجديدة التي تستغرق ثلاث ساعات. ورغم طولها، لا نريد الخروج منها. لم يكتف المخرج الأميركي مات ريفز بابتكار قصة جميلة وغامضة، لكنه قدمها بشكل مثير. مر وقت طويل منذ أن رأينا فيلماً مبنياً على الكوميكس، مصوّراً بشكل عظيم. كل إطار عبارة عن لوحة تطفو في الأضواء الغامقة والسواد والصفار والأحمر. تُضاف إلى ذلك موسيقى مايكل جاكينو التي تغرقنا أكثر في الجو المظلم المشؤوم والقاتم. كل إطار في الفيلم حقيقي وفي الوقت نفسه يبدو كأنه صورة من كتاب كوميكس. فيلم «باتمان» الجديد مليء بالإشارات ليس فقط إلى أفلام «باتمان» القديمة ولكن أيضاً إلى كتب «باتمان» المصورة القديمة.

إذا كانت ثلاثية باتمان التي أخرجها كريستوفر نولان، كانت الأهم منذ سنوات ورأينا فيها تطوّر الرجل الوطواط، فإنّ فيلم ريفز عاد إلى الجذور. «باتمان» ليس لديه قوة خارقة، وليس محترفاً في القتال ولكنه ذكي. لا يعتمد الشريط على المؤثرات الخاصة. هو مكتوب بطريقة مبتكرة، و«باتمان» عاد وأكّد لنا أنه أعظم محقّق في العالم، كما نريده أن يكون. فيلم «دي سي» الجديد يكتشف ببطء شديد، وريفز يركز على السرد ليس فقط بالكلمات، ولكن بالصورة والصوت والموسيقى. «باتمان»، إنسان وليس معصوماً عن الخطأ، مبتدئ. يلعب روبرت باتنسون دور باتمان الأكثر واقعية، فهو بالكاد بروس واين الملياردير، شعره دهني والهالات السوداء تحت عينيه واضحة. يصف نفسه بأنه «حيوان ليلي» ويضع النظارات الشمسية لأنه بالكاد يستطيع تحمّل ضوء النهار بسبب غزواته الليلية.

يُعيد ريڤز الكتب المصورة بتفاصيلها إلى السينما. قصة عن الولاء والثقة والصداقة، وأيضاً عن الغضب ومحاولة التغلّب عليه وتحويله إلى شيء آخر. نتعرف على «باتمان» في السنة الثانية من حياته، تماماً كشاب يبدأ حياته بزخم ويتعلم من أخطائه ويتطور بسرعة. من الجيد مشاهدة «باتمان» مماثلاً في بحر أفلام الأبطال الخارقين، لأنه مختلف كثيراً وأكثر إنسانية. بدلاً من المتعة الضخمة ومشاهد الحركة الكبيرة، لدينا قصة واقعية ومحقّق واقعي يحاول إنقاذ مدينته. «باتمان» ليس فيلماً نموذجياً للأبطال الخارقين، ولكنه ممتاز.

The Batman
في الصالات