تقول المنتجة عبير هاشم إنّ الهدف كان عدم إظهار صورة المرأة الضعيفة
«الجنة تحت أقدامي» فيلم عُرض منذ فترة على التلفزيون الفرنسي الذي أسهم بجزء يسير في إنتاجه، وسلّط الضوء على قضية الحضانة عند الطائفة الشيعية، عبر عرض حالات نساء عانين وما زلن من حرمانهن أطفالهن. بدأت القصة وفق ما تقول لنا المنتجة عبير هاشم، بتعرّفها إلى المخرجة ساندرا ماضي في تونس، قبل عشر سنوات، في أحد المهرجانات السينمائية لدى عرض ماضي فيلمها التسجيلي «الذاكرة المثقوبة». التقت الاثنتان على فكرة صناعة فيلم يحكي قصة عبير التي عانت كثيراً للحصول على طلاقها طوال أكثر من 11 عاماً في المحاكم الجعفرية، ولم تُرد إقحام أولادها في هذه المعركة كما تسرد. لكنها أصرّت في البداية على أن تحكي قصتها عبر فيلم تخرجه ماضي، إلى أن صعدت قضية فاطمة حمزة التي هزّت الرأي العام اللبناني عام 2016. إذ سُجنت حمزة لأنها رفضت تسليم ابنها الصغير إلى عائلة طليقها. تلك كانت الشرارة التي دفعت ماضي وهاشم إلى إعادة النظر في مسار الفيلم وفحواه، ليشمل مروحة أوسع من الحالات تندرج تحت العباءة نفسها. هكذا بدأت الرحلة من بيروت، بلقاء أكثر من خمسين امرأة عانين من ظلم المحكمة الجعفرية وحُرمن من أولادهن، لترسو الشهادات على ثلاث: زينب، فاطمة ولينا، اللواتي يظهرن في الشريط، مع هاشم بالطبع. هكذا، نصبح أمام مشهدية سينمائية مغايرة تتكئ على التصوير التسجيلي المراقب كما تسميه ماضي، أي التقاط اللحظات الحيّة لهؤلاء النساء، وعرضها كما هي في الواقع. في الفيلم، الصورة فجّة، وغاية في الواقعية، لا تشتغل على تجميل الشخصيات أو الأمكنة. هكذا، تركت الكاميرا تتجول بين ألمانيا، وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع، لتنقل قصص النساء الثلاث. تقول هاشم إنّ هدف الفيلم كان عدم إبراز صورة المرأة الضعيفة، ولو بدا بعضهن في أوضاع نفسية وإنسانية صعبة، جرّاء حالات الانتظار واليأس والخوف التي سيطرت عليهن. بل كان الهدف «إزعاج من يشاهده» وفق ما تقول هاشم.
إنها المرة الأولى التي تدخل فيها المخرجة الفلسطينية ساندرا ماضي، تجربة أفلام تخص النساء، بعدما كرّست جلّ أعمالها للقضية الفلسطينية لا سيما لحكايات فلسطينيي الشتات. ماضي التي تصف بيروت بأنها الأقرب إلى فلسطين، إذ أقامت فيها لسنوات عدة، وتعرف خبايا نسيجها الاجتماعي، تشرح لنا كيف كانت قصة صديقتها عبير هاشم الدافع المباشر لتنفيذ الفيلم، إلى جانب القصص «المريعة» التي سمعتها على ألسنة نساء أخريات، أحدثت صدمة لديها و«ورطتها» في هذه المغامرة. قصدت ماضي مدينة «باومهولدر» الريفية في ألمانيا وأمضت 16 يوماً مع لينا التي هاجرت الى هناك، لتعيش في غرفة صغيرة وضيقة. سجّلت ماضي كل حالاتها وتقلباتها، وأعادت سردها سينمائياً، مع صعوبة تحقيق هذا الأمر، لما يتطلبه ذلك من الشخصية بأن تكون على أريحيتها وتتحرك بعفوية كأن لا كاميرا ترصدها. لينا التي حرمها طليقها من ابنها منذ خمس سنوات، وذهب به إلى ألمانيا، لحقت بهما فيما تنتظر انتهاء معاملاتها الرسمية في البلاد، للإقامة ورؤية ابنها المسلوب من أحضانها. لحظات خاصة وحميمة تسترقها كاميرا ماضي من لينا، وكيفية عيشها في هذه الظروف الصعبة، وانتظارها فرج اللقاء بابنها الصغير. بعدها، ننتقل إلى الضاحية الجنوبية، مع بطلة أخرى: فاطمة حمزة، التي استطاعت الاحتفاظ بابنها بعد الضغط الهائل الذي مورس في قضيتها وسجنها لخمسة أيام .قصة حمزة، التي ما زالت عالقة، وتسودها مخاوف كثيرة من تكرار سيناريو حرمانها من ابنها، يضيء عليها الفيلم، وخصوصاً التضامن الأسري الذي تحظى به، لا سيما من شقيقتها المحامية فاديا. بقاعاً القصة حزينة مرة أخرى مع زينب التي فقدت أي اتصال بابنها وتُركت وحيدة في العراء، في ظل تمرد عائلة طليقها على تنفيذ القوانين.
طيلة ساعة ونصف من الزمن، تأخذنا عدسة المخرجة إلى عوالم هؤلاء النساء، وتظهر لنا، بواقعية فجّة، كيف يصارعن أقدارهن داخل جدارن غرفهن، ويتألمن في الظل. جانب ارتأت المخرجة الإضاءة عليه، دون سواه، لا لإثارة التعاطف، أو حتى للتبرير، بل ليكون الشريط كما تؤكد ماضي، بمثابة «وثيقة» تُستخدم «لإعلاء صوت الحق»، ومساحة «وعي» تشكل ضغطاً على الجهات المعنية، ومرافعة لباقي المناضلين/ات في هذه القضية، بهدف إحداث التغيير المنشود.
رغم تناوله قضية حسّاسة وشائكة، دخل الشريط في مغامرة شخصية في الإنتاج والتمويل الذاتي، ولاقى رفضاً إنتاجياً عربياً، خوفاً من جرأته وطرحه لهذه القضية. على أن تحطّ رحاله في الوقت القريب في العاصمة اللبنانية، بعدما عُرض في فرنسا وسويسرا، ويتنقل بين القرى والمدن اللبنانية وأنديتها، ولا يكون محصوراً في سجل المهرجانات وقاعات السينما.