كما في الميدان، كذلك في العالم الافتراضي. طرابلس التي لا تعرف سوى موجات الاشتباكات والعنف بين محوري باب التبانة وجبل محسن، تنشط صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتراشق القصف الافتراضي. إنّها صفحات على الفايسبوك تجمعها عاصمة الشمال وتفرّقها السياسة والإيديولوجيا التي تتخطّى مسألة الاختلاف في الرأي لتبلغ مستوى التحريض والتشفّي.
الصفحات في الإجمال ليست فردية أو جماعية في الإدارة والنشر، بل يديرها العديد من السياسيين والوجوه الطرابلسية كالنائب السابق مصباح الأحدب (طرابلس 24) ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي (شبكة طرابلس الفيحاء الإخبارية) وغيرهما. تروّج لنفسها ولسياستها، وتشبك مع الجهات الأمنية لتحصل على أخبار حصرية ومعلومات تنشر للمرة الأولى.
عند تصفّح هذه المساحات الافتراضية، يظهر جليّاً الانقسام بين المحورين اللذين «فرّخا» العديد من الصفحات تحت أسماء هذه المناطق. تنشط عادة تلك المواقع أثناء الاشتباكات، وتصل إلى ذروتها في التفاعل ونقل الأخبار وأسماء الجرحى والضحايا وأماكن القصف. اللافت أيضاً هو عرض هذه الصفحات أسماء وصور المسلحين المنتمين إلى الجهة المقابلة والتشهير بهم، كنشر «شبكة أخبار جبل محسن الرسمية» صور مقاتلي باب التبانة وتحضيرهم لجولات جديدة من الاشتباكات. الأمر الأكثر خطورة من العرض، هو الترويج إلى حدّ التمجيد بالوجوه المتطرفة في طرابلس، الذي تقوم به الصفحات التابعة لباب التبانة ومحيطها كالقول: «داعي الإسلام الشهال (مؤسس التيار السلفي) حفظه الله»! كذلك، تهلل هذه الصفحات لبيانات «جبهة النصرة» و«القاعدة» لدى حدوث أيّ عمل إرهابي في لبنان. إلى جانب التهليل، يبقى النجم هو السلفي الفارّ أحمد الأسير مع استفتاء القراء: «هل يصبح الأسير أمير «جبهة النصرة» في لبنان؟». مع هذا الانقسام السياسي والاجترار لخطاب الطائفية والتحريض بين المتصارعين لا يمكن أن تغفل «الدينامو» الذي يحرّك كلاً منهما، ألا وهو سوريا: سوريا المعارضة أو الموالية للنظام. كلا الاتجاهين يزيدان هذا الانقسام الحادّ، وعلى أساسه تنشأ الصفحات ويبدأ الترويج للسياسات والمواقف السياسية. كذلك تستخدم الورقة السورية إن صحّ التعبير في جذب القراء للتفاعل مع هذه الصفحات، عدا طبعاً اتّباع شراء «اللايكات». على المساحات التي تتبع لبعض صفحات جبل محسن، صور للرئيس بشار الأسد، وتمجيد بالنظام، وخصوصاً ما حدث أخيراً في مفاوضات «جنيف 2» التي كان نجمها وزير الخارجية السوري وليد المعلم. في المقابل، تعرض الصفحات المضادة صور مجازر ومبايعة «القائد أبو محمد الجولاني» من «جبهة النصرة».
في ظلّ هذا المشهد القاتم، هناك فسحة صغيرة من السخرية والمرح قد يلقاها المرء في تلك الصفحات، وخصوصاً مع انتشار الأخطاء الإملائية. فقد أعلن أحد إداريي صفحة «أبناء طرابلس» حاجته إلى «أدمن للصفحة يعرف يكتب عربي ويميّز آل التعريف ويفرّق بين التاء المربوطة والطويلة حتى ما يبهدلنا (..) وبيعرف أسلوبنا بنقل الأخبار والنشر ما يكون غليظ». هناك إمرار لبعض النكات الساخرة من الواقع المرير والأجواء المحقونة كالقول: «رواق زتّ الهاون (قذيفة) بتسمع صوتها». وتتجلّى أقصى الفكاهة في عرض إعلان لغرفة نوم «أمركاني مع فرشة سليب كومفور».


يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab