عام 2011، أصدرت مجلة الـ BBC الإنكليزية المتخصصة في الموسيقى ترتيباً لأهم 20 قائد أوركسترا في التاريخ. طبعاً، قيادة الأوركسترا ليست ابنة القرن العشرين. غير أنّ غياب تقنية حفظ الصوت في القرون السابقة تمنعنا من معرفة مدى أهمية أداء مقطوعة ما. بالتالي، كان طبيعياً أن يكون المقصود أهم 20 قائداً «في القرن العشرين» بدلاً من «في التاريخ». لهذه الغاية، تم استطلاع 100 من أبرز قادة الأوركسترا في العالم، لتحديد الاسم الذي يعتبرونه الأهم في تاريخ هذا المجال، فجاء ترتيب الثلاثة الأول على الشكل الآتي: كارلوس كلايبر، ليونارد برنشتاين وكلاوديو أبادو (الذي كان من بين الأحياء الذين دخلوا الترتيب آنذاك).

نتطرّق اليوم إلى الموضوع لسبب واضح هو، أولاً، إحياؤنا للذكرى العاشرة لرحيل كارلوس كلايبر (صاحب المرتبة الأولى) وثانياً، غياب كلاوديو أبادو (صاحب المرتبة الثالثة) أوّل من أمس. في الواقع، إن عودتنا إلى كلايبر هذه السنة، كما التحية لأبادو إثر رحيله هما نتيجة لأهمية الرجليْن. الأول احتل المرتبة الأولى تاريخياً، وهذا منصف. لكن حتى لو ذهبت المرتبة الأولى لصالح النمسوي كارايان (الصورة) أو الألماني فورتفانغلر أو بضعة أسماء غيرهما، لوافق كثيرون على النتيجة. المفاجأة هي في احتلال أبادو المركز الثالث. صحيح أننا نرثيه باحترام وتقدير، لكن هذه المرتبة مبالغ فيها جداً. والأغرب هو حلول ليونارد برنشتاين في المرتبة الثانية! الرجل كان قائد أوركسترا مهماً وكان عازف بيانو، ورصيده كبير في التأليف. إذاً هو مهمّ كشخصية موسيقية متعدّدة المواهب، لكن في مجال قيادة الأوركسترا، يمكن تعداد خمسة أسماء (أو أكثر) لا نقاش حول تخطيها المايسترو برنشتاين! إذا اتفقنا على منح كلايبر المرتبة الأولى، فماذا عن الآنف ذكرهما كارايان (حلّ رابعاً) أو فورتفانغلر (حلّ سابعاً) في المرتبة الثانية؟ ماذا عن مرافينسكي (حلّ في المرتبة 17!)؟ أو توسكانيني (حلّ ثامناً)؟ أو كارل بوم (خارج الترتيب!)؟ إذاً، هناك خمسة أسماء تستحق المرتبة الثانية، وبالتالي لا برنشتاين يستأهل مرتبته ولا أبادو. لكن، لعن الله لعنة النازية التي ما زالت تلاحق أدمغة ألمانيا (كارايان وفورتفانغلر اللذين عملا مُكرهيْن في ظل هتلر) ولعن الله هذا «القرف» من الاتحاد السوفياتي الذي يضع مرافينسكي في المرتبة 17.