عمان | غيّب الموت نجمة فلسطين المقاومة والصمود. ارتاح جسدها بعد معاناة مع السرطان الذي ظلّت تقاومه طيلة تسع سنوات، وشيّعت أمس في الناصرة على وقع نشيد «موطني». ريم بنا (1966 - 2018)، كانت كأنها تغني منذ أول مناغاة لتلك الطفلة التي تعشق فلسطين الأرض والإنسان. قالت ذات ساعة من مرضها الشرس: «جئت إلى هذه الدنيا عنوة، لا البلاد احتضنتني ولا أحد». للناس في السجون والبيوت والأفراح، للثورة والصمود، غنت وجاد صوتها الى أن كسره المرض. ذلك أن أدويتها لامست حيوية صوتها وأخلّت بقوتها على التحمل والتحدي.
في الجليل الأعلى، حيث ترقد الناصرة، ولدت ريم بنا في العام 1966، في بيت تدندن الأم (الشاعرة زهرة الصباغ) أناشيد الثورة والحب ومريم المجدلية. تربت في مدرسة تعشق الموسيقى الكلاسيكية، والتراث الشعبي الفلسطيني والموشحات الأندلسية والفيروزيات. أتاحت لها دراساتها وتعلّقها بالموسيقى والألحان والعمل التطوعي، فرصة الخروج من الناصرة إلى روسيا في منحة للدراسة في المعهد العالي للموسيقى. منذ تخرجها عام 1991، جاد صوتها بأغاني الحب والمقاومة والصمود.

حياتها مع الغناء والتأليف الموسيقي، كانت صعبة وخصوصاً بعدما درست ستّ سنوات في روسيا وأقامت فترة من حياتها في دمشق وتنقلت حول العالم، تقدم أغنيات الثورة والمجد والشبيبة الثورية. غنت في بيروت وتونس والقاهرة وعمان ودمشق منذ العام 1990. حتى أقل من سنة ونصف قبل وفاتها، حاولت استعادة وعيها وقوتها ورجعت مراراً إلى الناصرة لتغني حكايات الناس ومقاومة الشباب للمحتل الصهيوني.
«هلا لا ليا» والتهليلة الفلسطينية و«يا طالعين الجبل» و«ع الروزنا» و«يا ليل ما أطولك»... بحة صوت، ويد تغزل الحب وحرير الامهات وحلى الجدات، فيما كان المرض ينشر في جسدها نشر المناشير للخشب، كما عبرت عن الصبر في أغنيتها «التهليلة الفلسطينية». تركت ألبومات عديدة أبرزها «جفرا» (1985)، و«دموعك يا أمي» (1986)، «الحلم» (1993)، «قمر أبو ليلة» (1995 - ألبوم للأطفال)، «مكاغاة» (1996 - ألبوم للأطفال)، «وحدها بتبقى القدس» (2001)، «مرايا الروح» (2005 ـــ ألبوم مهدى إلى الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية)، «مواسم البنفسج» (2007 ــ أغاني حب من فلسطين)، فيما أعلنت مرة على صفحتها الفايسبوكية أنّها ألبومها الجديد سيصدر في 8 نيسان/ أبريل 2018... قبل رحيلها، كتبت على صفحتها في شهر آذار: «بالأمس، كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي، فكان عليّ أن أخترع سيناريو. فقلت: لا تخافوا. هذا الجسد كقميص رثّ لا يدوم. حين أخلعه، سأهرب خلسة من بين الورد المسجّى في الصندوق، وأترك الجنازة و«خراريف العزاء» عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام... مراقبة الأخريات الداخلات.. والروائح المحتقنة... وسأجري كغزالة إلى بيتي... سأطهو وجبة عشاء طيبة... سأرتب البيت وأشعل الشموع... وانتظر عودتكم في الشرفة كالعادة... أجلس مع فنجان الميرمية.. أرقب مرج ابن عامر.. وأقول: هذه الحياة جميلة... والموت كالتاريخ... فصل مزيّف».
ريم بنّا تركتنا في صمت رحيلها المعلن. غابت كأنها نائمة على حجر الصمود وعينها على الناصرة... «هلا لا ليا» تلف العالم عبر ريح القدس.