ينتظر مصوّر محترف اتساع بقعة ضوء تبدأ بحجم عدسة كاميرته في أحد أزقة المخيم، لتصبح خيطاً فيلاحقه بغية التقاط صورة من دون أن يشعر بكلل أو ملل. يتحكم بالمشهد: إن أراد، يظهر الزقاق بملامح تجهش بالبكاء، أو حتى واسعاً مشعاً رغم ضيقه وعتمته! عندها، كيف تقنع امرأة مسنة تربّعت على عتبة بيتها في الزقاق، أنها هي نفسها من دون أن تلتفت لملامحها، وتظهر نصف قرن على الأقل مما عاشته في الصورة؟
أحياناً، قد يبدو الزقاق مختلفاً عما يراه قاطنوه، عما يشعره اللاجئ، عما تعيشه الحاجة المسنة!
لكن الزقاق كان ضيقاً. لم يكن يوماً إلا ضيقاً. تتنقل فيه زخات الرصاص حرّة. وأحمد نصف حرّ تتدلى من عنقه كاميرا. تسقط رصاصة أرضاً أو تخترق حائطاً ولا تسقط كاميرا أحمد. عليه أن يلاحق الرصاص شرط ألا يسبقه! ربما لم تعد تبهره أزقة المخيم منذ أن كبر وأدرك أنّها لم تكن يوماً واسعة إلا تحت تأثير الطفولة. وربما أجبرته وسائل الإعلام ـــ بنبذها للصورة الفنية ــــ على التقاط الصور الأمنية.

استعداد لافتتاح استديو
بدعم من «دار المصور»

منذ أكثر من سنتين وأحمد الزير يغطي معارك وأحداث عين الحلوة. يعيش في المخيم مرغماً على الاستمرار كغيره من اللاجئين. يدفعه حبّه للتصوير لالتقاط الصور الجميلة التي يريد والاحتفاظ بها لعرضها في ما بعد، بينما يجبره ذلك الزقاق المجبول بكل التناقضات بما فيها من وعود وأكاذيب ومعارك وانتصارات وهمية على هذا العمل، أي حين يصبح التصوير مهنة. لكنه الآن عشريني، لم يعد ذلك الطفل الذي شعر يوماً بالخوف وهو يحاول اختراق حشد من القادة والعامة في إحدى مناسبات المخيم التي لطالما عودونا على أن نهلل لها حتى أصبنا جميعنا بتلك العدوى! تفتح على هواية التصوير، بل نشأ عليها كعدد من الشباب الموهوب الذي احتضنه «دار المصور». «لقد كان عمري 12عاماً عندما شاهدت مجموعة من المصورين يجولون عين الحلوة بكاميراتهم. لحقت بهم واسترقت النظر خلسة إلى ورشة عمل تصوير كانوا يديروها في أحد المراكز في المخيم. عندها رآني واحد من فريق العمل ورحب بي. ثم دعوني للمشاركة في دورات تدريبية في التصوير في مركزهم في الحمرا. الآن أحمل الكاميرا وأقف في أي مكان أراه مناسباً لالتقاط الصورة التي أريد من دون خجل بل أطلب من أي كان أن يفسح لي الطريق كمصور».
أحمد الزير الذي يعدّ ضمن فريق من شباب وشابات من المخيم، يحضّرون اليوم لافتتاح استديو تصوير في محيط مخيم عين الحلوة الذي يقطنونه، بدعم من «دار المصور». الدار كانت المبادرة إلى تقديم الصورة الأولى التي التقطها أحمد ضمن المعارض التي تقيمها.
ان كنت تريد العيش في المخيم، عليك أن تراه كما هو، وألا تفصل الرصاص والزقاق والأحلام... أن لا تنسى خروجك من مدرسة «الأونروا» كتلميذ متفوق في المرحلة الابتدائية وانصياعك وراء التصوير، أن لا تتعثر بشعورك بالخوف أو الخجل وأنت طفل تحاول التقاط صورة للقيادة في المخيم أثناء جولاتها المعتادة عشية كل معركة، وتدعهم يتخبطون فيما أنت تتقدم، وتصارع حلماً بدأ من الزقاق وقد يظل فيه... لكن الصورة ستختلف، تماماً كما يفعل أحمد.