بدأ العدّ العكسي لإقفال جريدة «البلد» التي انطلقت بين عامي 2003 و2004 تحت لواء مجموعة AWI (أصبحت أشبه باسم وهمي ولم تعد مجموعة حالياً) التي كانت تضمّ سابقاً مجلة «ليالينا» وجريدة «الوسيط».
كل التطوّرات التي تشهدها الصحيفة اليومية هذه الفترة، تشير إلى أنّ الوسيلة الإعلامية وصلت للأسف إلى نهاية الطريق. الجريدة التي شهدت مشاكل سياسية ومادية معاً في السنوات الأخيرة، يبدو أنها على شفير الإفلاس وعلى بعد خطوات قليلة من الإقفال. البداية كانت مع المشاكل السياسية التي برزت عام 2006 مع انتهاء حرب تموز وأدّت إلى الاستغناء عن رئيس التحرير السابق بشارة شربل وبعض رؤساء الأقسام، وتعيين جورج جبارة مديراً للتحرير بما أنّه لا يمتلك خبرة في الصحافة. على مدار عشر سنوات تقريباً، عانت الجريدة من مشاكل مالية جمّة، ولكن أصعب تلك المشاكل برزت مع بداية الحرب السورية. فقد شهدت «البلد» خلافاً قوياً بين صاحبي مجموعة AWI بشار كيوان (معارض للنظام السوري) وشريكه مجد سليمان (موال للنظام) على خلفية انتماءاتهما السياسية. هذا الخلاف انعكس سلباً على الصحيفة واستمرّ سنوات عدّة، ليتمّ الصلح بينهما مع تقسيم حصصهما في الشركة. لكن لم يعرف لمن ذهبت الصحيفة. فقد «اختلط الحابل بالنابل»، وتمّ تعيين السوري فادي حمصي مديراً عاماً للمؤسسة (لا يزال لغاية اليوم)، مع العلم أنه يخالف القانون اللبناني وشروط وزارة العمل. إذ لا يمكن تعيين موظف غير لبناني في هذا المركز. لذلك، كان حمصي يمتنع عن توقيع أيّ معاملات باسمه وينفض يده من كل المشاكل الحاصلة. بعيداً عن الاحتيال الحاصل منذ أكثر من أربع سنوات والذي تغضّ وزارة العمل الطرف عنه لأسباب غير معروفة، شهدت «البلد» العديد من موجات الصرف، آخرها في الشتاء مع صرف 20 موظفاً توزعوا بين الصحيفة و«الوسيط» و«ليالينا». اعتقد الجميع أن حملات الاستغناء قد توقّفت عند ذلك الحدّ كي تبقى الجريدة على قيد الحياة. لكن الوضع ازداد سوءاً يوماً تلو آخر. لا تُحسد جريدة «البلد» على وضعها الحالي، إذ لم يتقاض العاملون فيها رواتبهم منذ عام تقريباً، بحجة الأزمة المالية التي ضربت سوق الإعلانات. لم تكتف «البلد» بهذا العدد من صرف العاملين، بل أقدمت قبل أيام على عملية صرف جديدة أدّت إلى الاستغناء عن آخر دفعة من الموظفين. فقد أُبلغت مجموعة من الصحافيين والتقنيين (نحو خمسة عاملين) ضرورة أخذ إجازاتهم السنوية، لكن هذا القرار لم يُرض العاملين الذين طلبوا من الجريدة توضيح أسباب قرارهم، ليتضح أنها عملية صرف على مبدأ «أُحرج فأُخرج» وبدأ البحث في تعويضات المصروفين وطريقة دفعها.
المُضحك المُبكي أن عدد الموظفين في الجريدة حالياً يبلغ 5 فقط، يتوزّعون على أقسام السياسة والاقتصاد والمحليات و«لايف ستايل» والرياضة، مما يعني أنّ هناك صحافياً واحداً في كل قسم. هذا الرقم يعرّض الصحيفة اليوم للإقفال. مع عدم اتضاح الصورة ومستقبل المؤسسة، قدّم مدير التحرير جورج جبارة استقالته أخيراً، وانضمّ إلى فريق جريدة «الاتحاد» التي تصدر في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل حيث تسلم مركز مدير التسويق. من هذا المنطلق، يتمّ الحديث حالياً في أرجاء الصحيفة عن إقفال وشيك، مع الاحتفاظ بالموقع الالكتروني الذي يحمل اسمها.
على أن يتمّ نقل مكاتب «البلد» و«الوسيط» و«ليالينا» من أوتستراد ميرنا الشالوحي (سن الفيل) إلى منطقة المنصورية. إذاً، تمشي صحيفة «البلد» نحو خطّ الإقفال، وهذا الأمر محزن لأن الأيام المقبلة ستشهد رحيل صحيفة عاشت طويلاً «في غرفة الإنعاش».