في أيار (مايو) الماضي، استضاف «ليبان جاز» كيزايا جونز وفرقته في «ميوزكهول» في بيروت. اليوم يدعو المهرجان الدائم المغنية المالية فاتوماتا دياوارا المعروفة بـ «فاتو»، لتقديم أمسية وحيدة بعد النجاحات الفنية التي حققتها الفنانة الثلاثينية.في البداية يجب الإشارة إلى أن فاتو ليست مغنية جاز، لكن بعدما تكرّرت «خيانات» مهرجان «ليبان جاز» لاسمه، ما عدنا نودّ أن نعتب عليه لناحية برمجة أمسيات لا علاقة لها بالجاز. من الآن فصاعداً سنتعاطى معه على أنه جهة تنظيمية، حددت نشاطها نظرياً بنمط موسيقي محدّد، لكن مروحتها تتسع، عملياً، لتجارب متباعدة، يشكل الجاز جزءاً منها لا أكثر.
عام 2013 جمعت نحو أربعين موسيقياً من بلدها لتسجيل أغنية بعنوان Mali-co
في الماضي (2008) أطلق المنظمون ذاتهم، ما سُمِّيَ بـ «ليبان وورلد» ليهتمّ بالأمسيات ذات الطابع الإثني، فاستضاف في هذا الإطار فنانين من جنسيات مختلفة (روبرتو فونسيكا من كوبا، رُقية تراوري من مالي،…) يقدّمون ما يمكن إدراجه تحت عنوان "موسيقى الشعوب" (أو موسيقى العالم). لكن "ليبان وورلد" لم يصمد طويلاً، علماً أنه استطاع حلّ هذه المسألة الشكلية، لكن المهمّة، وكان بإمكان مظلّته أن تحتضن الأمسية المنتظرة لفاتو. فالأخيرة تقدّم الغناء الأفريقي التقليدي ولو حمل توجهاً حديثاً نوعاً ما، كما هي حال معظم التجارب الأفريقية التي استطاعت استقطاب جمهور من خارج القارة السمراء. لكن، طالما أن «ليبان جاز» ما زال يقدّم للجمهور المحلّي أمسيات غير تجارية، لا مشكلة جوهرية معه، علماً أنّ تحفظاتنا على البرمجة ستظلّ جاهزة كلّما دعا المهرجان تجارب رديئة في العمق (مدّعية وفارغة) ولو كانت غير تجارية في الشكل.
فاتوماتا دياوارا ممثلة ومغنية وعازفة غيتار من مالي، مولودة في ساحل العاج عام 1982. إنها من البلد الذي خرجت منه أسماء كثيرة في مجال الموسيقى والغناء رغم التطرّف الديني الذي أنهكه وأدماه وقيّد حركة المتنوّرين فيه أخيراً. هي من موطن ساليف كايتا، وعلي فاركا، وتوري، ورقية تراوري (زارتنا عام 2009) وأمادو ومريم (زارانا عام 2011 ضمن «مهرجانات بيبلوس»). بداية مسيرتها كانت في التمثيل (السينما والمسرح أيضاً)، حيث ظهرت في العديد من الأفلام منذ أواخر التسعينيات، أهمّها «تمبكتو» (2014 — للموريتاني عبد الرحمن سيساكو) الذي لعبت فيه دور المغنية فاتو، أي نفسها. مساهمتها الغنائية في هذا الفيلم أمّنت لها دفعاً قوياً على طريق الشهرة، إذ حازت موسيقى الفيلم (تأليف التونسي الشاب أمين بوحافة) جوائز عالمية وانتشرت الأغاني الواردة فيه بشكل واسع.
هجرت فاتو بلدها في سن الرشد هرباً من سلطة عائلتها التي لم تكن تريد لها مهنة التمثيل، فاستقرت في فرنسا حيث انخرطت أيضاً في الموسيقى والعزف على الغيتار بتشجيع من مواطنتها رُقية تراوري. وجدت في هذا الفن شغفاً دفيناً دفعها إلى إتقان آلتها وكتابة الأغاني، ودُعيَت للمشاركة في ألبومات أسماء كبيرة في عالم الموسيقى أمثال دي دي بريدجووتر، ومولاتو أستاتكي، وهربي هانكوك وغيرهم. كما أصدرت ألبوماً مشتركاً مع وريث الـ «بوينا فيستا سوشل كلوب»، عازف البيانو روبرتو فونسيكا، بالإضافة إلى أعمالها الخاصة، على رأسها ألبوم بعنوان «فاتو» (2011). عام 2013، جمعت فاتو نحو أربعين موسيقياً من بلدها لتسجيل أغنية بعنوان Mali-co (وتعني «السلام»)، في خطوة مناهضة للمدّ الظلامي الذي عاث إجراماً وتخلفاً في بلدها. إنها أغنية جميلة ومؤثرة وواضحة جداً لناحية النص الذي يبيَّن، في جزء منه، ممارسات الإسلام المتشدّد في مالي، رغم السذاجة المشترَكة في هذا النوع من الأعمال، حيث يتم غالباً إغفال الدور الحالي الذي يلعبه المستعمر القديم في خراب بلدان العالم الثالث.
تمتلك فاتوماتا دياوارا الصوت الأفريقي البحت، أكان لناحية حرارته ونبرته أو لناحية نفحة الألم، المبطّنة دوماً بألوان الفرح، كما هي أزياء وإيقاعات القارة السمراء الحية. تؤدي فاتو الفولك الأفريقي الحديث، المنغمس بتاريخ بلدها الثقافي من جهة والمفتوح على العولمة، لكن بحدود معقولة. النغمة الأفريقية ثابتة وكذلك الإيقاعات (بعض الفانك مرحبٌ به دوماً) وكذلك هي الحال في ما خصّ اللغة الأم لناحية النصوص.