«مزاهر» تنضح بروح الصعيد: جلسة زار في «مسرح المدينة»

  • 0
  • ض
  • ض

في غرفة شبه معتمة في شارع أسعد زغلول وسط القاهرة، تدور الريسة مديحة على أعضاء فرقة «مزاهر» بالبخور. تفتتح الجلسة الحميمية بما يشبه التعويذة اللطيفة: «الفاتحة للنبي وأحباب النبي وأزواج النبي وعمر وعثمان وعلي وأولاد بنت رسول الله الحسن والحسين والست زينب... والأوليا والأنبيا والست فاطمة النبوية وشيخ العرب السيد وسيدي إبراهيم الدسوقي وسيدي عز الرجال... الخضر والياس والمرسي أبو العباس».

الموعد استثنائي وقد اعتاده الجمهور القاهري الذي يحضر، مساء كل أربعاء، ليفترش الأرض في «مكان» (المركز الثقافي للفنون والثقافة) أمام الفرقة. ضمن اهتمامه بتسجيل وتوثيق الغناء التراثي والشعبي المصري والأفريقي منذ 2002، جمع مؤسس المركز أحمد المغربي أعضاء فرقة «مزاهر» لفنون الزار، وأطلق لهم ألبومهم الأول بعنوان «مزاهر موسيقى وأدوار الزار» (2007). في هذه المساحة الضئيلة البعيدة عن الفن التجاري سجل المركز أيضاً ألبومات من التراث لفرق المواويل والمدائح والصوفي والذكر، وأغاني الغجر والواحات وتراث النوبة. من «مكان» زارت «مزاهر» مدناً عالمية عدة منها فرنسا وألمانيا وبلجيكا واليونان وسويسرا والمغرب وبيروت، قبل بضع سنوات. عند التاسعة من مساء الغد تعود الفرقة إلى «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت) لتقدم مجموعة من أغنيات الزار. ريسة الفرقة مديحة (غناء ودف)، ستحضر برفقة 10 أعضاء آخرين من الرجال والنساء في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من أعمارهم؛ أبرزهم عربي (شخاشيخ ومنجور) وصباح (صاجات) ورأفت (طنبورة) وأم حسن (دف وطبلة وحانة)، يعدّون الجيل الأخير لفن الزار الذي يكاد يندثر في مصر.


تتولى النساء الدور الغنائي والموسيقي الأساسي في الفرقة

بلا أوراق موسيقية أو كلمات مسجلة للأغاني، بدأت مديحة (أم سامح) بتعلم فنون الزار من أمها في عمر الحادية عشرة، والدتها كانت قد ورثت الزار من أمها أيضاً، ليتوقف التوريث عند مديحة التي رفضت ابنتها تعلم هذا الفن. ينطبق هذا على معظم أعضاء الفرقة الذين يقفون أمام تحديات كبيرة أبرزها مواجهة الاندثار والتنميط التي تتعرّض له فنون الزار. اختزال كرسته المشاهد السينمائية والدرامية التي تظهرها دائماً كطقوس لطرد الأرواح الشريرة والعفاريت والجن، من دون التوقف عن قيمته الموسيقية الغنية. وإذا أردنا أن نغسل هذه التهمة عن الزار، على غرار ما يفعله أعضاء الفرقة، فإن الزار ليس بعيداً عن الجانب التطهيري الذي تعززه تكرارات الأصوات والإيقاعات التي تقترب من موسيقى الترانس والإيقاعات الأفريقية. ضمن سياق إنعاش هذا الفن، يعمل عدد من الأطباء في مصر حالياً على مشروع إدخال موسيقى الزار ضمن العلاج النفسي. لهذا ربما، يُعَدّ الزار من الفنون القليلة الباقية التي تتولى فيها النساء الدور الغنائي والموسيقي الأساسي في الفرقة؛ إنهن الكائنات اللواتي يتلقين بشكل كبير ضغوط الحياة. هكذا تتحول طقوس الزار فسحة للهرب من الحياة اليومية التي تقيد أصواتهن وحركاتهن وملابسهن. ترتدي أم سامح الأكسسوارات الذهبية، وتكثر من الماكياج بينما تتراقص بمنديلها بخفة على الخشبة، مطلقة صيحاتها «ركوشا هانم يا ركوشا» أو «يا يورا» (الشاب الأسمر)، لتتكرر أصوات الفرقة والآلات بشكل بدائي فطري وراءها، محتجزة بمكان للارتجال. وفيما تزداد مساحة هذا الفن ضآلة في مصر، لا تزال طقوسه الشعبية تزدهر في شبه الجزيرة العربية ومناطق أخرى في شرق أفريقيا حيث خرج هذا الفن قبل آلاف السنين. هكذا تقدم الفرقة أغنياتها من الزار المصري الذي يقسم إلى ثلاثة أنواع: الصعيدي، وزار مديح النبي أو أبو الغيط والزار والسوداني. من هذا الأرشيف سنستمع إلى مجموعة أغنيات ومدائح وموسيقى من تراث الزار الشفوي، الذي يزيد على 300 أغنية تقدّم على نحو 40 مقاماً، أبرز هذه الأغنيات «يا شوقي عليك»، «مديح النبي»، «روكوشا»، «يا جمّال»، «يا عروسة»، «يا بنات المدرسة» وغيرها من الأغنيات ستعيدنا إلى جلسات الزار التراثية.

حفلة «فرقة مزاهر»: عند التاسعة من مساء الغد ــ «مسرح المدينة» (الحمرا ــ بيروت). للاستعلام: 01/753010.

  • أم سامح تتوسط أعضاء الفرقة

    أم سامح تتوسط أعضاء الفرقة

0 تعليق

التعليقات