مهى زراقط
لا يُعدّ الرئيس سليم الحص نجماً تلفزيونياً بالنسبة إلى كثيرين من مقدّمي البرامج الحوارية السياسية. ولا يذكر عدد كبير منهم اسمه في معرض الحديث عن ضيوف قد يحققون نسبة مشاهدة عالية في برامجهم، بل تسمع المقدمين يذكرون أسماء شخصيات دونه خبرة وحنكة سياسية، فقط لأنها “متمكّنة من الشاشة” أو متملّكة لـ“المهارات الإعلامية”.
لذا، كان مثيراً للاهتمام أن يحل الحص مساء أول من أمس ضيفاً على برنامج “أكيد أكيد مايسترو” الذي يعرض على قناة “نيو تي في”. ليس فقط لأن البرنامج غير سياسي أو لأن الحص اعتاد الإطلالات الإعلامية عند مفترق محطات سياسية، بل لأن طبيعة البرنامج تتطلب نسبة مرتفعة من “المهارة الإعلامية”.
المهارة في هذا الإطار، هي مماشاة المقدّم نيشان ديرهاروتيونيان في إدارته لبرنامجه القائم أصلاً على اللا مألوف، ما يجعلك مندهشاً من “صبر” الرئيس الحص على حجم كل هذه “المسرحية التلفزيونية” المُعتَمدة.
وترتفع نسبة دهشتك خلال الاستماع إلى قصة حياة الحص التي تشكّل مادّة يستطيع الإعلام ببساطة أن يصنع منها نموذجاً، في حين أن الصورة الإعلامية الموجودة لدى اللبنانيين عنه هي “السياسي الآدمي” أو “ضمير لبنان” كما روّجت له حملته الانتخابية في العام 2000.
تكتشف عندها أن افتقار الحص إلى «ماكينة إعلامية» أدى دوراً حقيقياً في عدم ايصال صورته إلى الناس. تتخيّل ماذا كان يمكن لخبراء الإعلام أن «يصنعوا» من سيرة حياة رجل تتوافر فيها كل عناصر “النموذج” الذي يجهدون لـ“خلقه” لدى شخصيات أخرى: اليتم في سن مبكرة، الرسوب في مدرسة المقاصد ثم التفوّق في الـ“انترناشونال كولدج” والحصول على منح دراسية. هذا بالإضافة إلى الصدف التي جعلته يجد دائماً من يساعده لإكمال دراسته (ابنة خالته أولاً ثم جدته)، التي أدت دوراً في دخوله عالم السياسة بعد لقائه بالرئيس الياس سركيس، ثم توليه منصب رئاسة الحكومة اللبنانية خمس مرات.
اللافت أن هذه المعلومات التي سمعها المشاهد أول من أمس لم تُقدَّم في إطار يسهم في رسم صورة إعلامية مختلفة للحص. فقد تولّى نيشان معظم الوقت الكلام عن ضيفه، وسرد تفاصيل حياته بسرعة قياسية، استدعت تدخّل الحص: «إذا كنت تعرف كل هذه المعلومات عني وترغب في سردها فلماذا تجري معي مقابلة إذاً؟». وكانت الإجابة «هذا لأني حضّرت ملفك جيداً» (كأن المحاوِر الذي يترك مجال الكلام لضيفه لا يُحضّر ملفّه!).
الحص الذي «احترف السياسة» ثماني سنوات ثم اعتزلها، طرق في إطلالته الإعلامية أول من أمس أحد أبرز أبواب الاحتراف السياسي في عصرنا: ممارسة السياسة عبر التلفزيون. وهو وإن لم ينجح في خلق الانطباع لدى المشاهد بـ“طواعيته” في هذه اللعبة، إلا أنه حقق من دون شك نسبة مشاهدة عالية لبرنامج “أكيد أكيد مايسترو” الذي يُسجّل لمُقدّمه شجاعة استضافته لسياسيّ أولاً... و“غير نجم” ثانياً.
التاسعة والنصف مساء على شاشة “نيو تي في”