ياسين عدنان
سافو فنّانة تستعصي على التصنيف، عندها تلتقي روافـد ثـقـافية مركّبة. ما الذي أتى بصاحبة «الحديقة الأندلسية» إلى بيروت، يرافقها طيف ليو فيري؟ مناسبة لاكتشاف المراكشية الفرنسية، واليهودية التي تقف إلى جانب فلسطين

“أنا يهودية، لكنني لست إسرائيلية” هكذا تردد سافو في حواراتها. وحين زارت إسرائيل. أصيبت بخيبة أمل: “إنهم أميركيون أكثر من اللازم، وغربيون جداً. لم أحس بأني قريبة منهم. أنا المراكشية ذات الخلفية العربية الأندلسية”. هذه الروائية والشاعرة والفنانة ليست فرنسية تماماً، أو بالأحرى ليست “فقط” فرنسية. هي تعتبر نفسها أساساً ابنة الشرق. شرق متعدد وبالغ الثراء. وعملها الفني المتميز “Orients” الذي صدر عام 2003 قدّمته في عام 2004 خلال “مهرجان الموسيقى الروحية” في فاس برفقة عازفين مسلمين ومسيحيين ويهود. “غادرت مراكش الى فرنسا في سن مبكرة (17 سنة)، وبقيت مغربية. وأنا الآن أعيش انتمائي العربي ضد العالمأصر على أن أظل اليهودية المغربية ذات الهوية العربية. أنا أنتمي ثقافياً الى هذه الحضارة. ويسعدني أن أكون ملتقى طرق”.
كل مَن سمع ألبومها المتميز “حديقة أندلسية” لمس قدرة هذه الساحرة المراكشية على جمع الروافد المختلفة: “أردت أن أشرح للعالم ماذا يعني أن تكون أندلسياً؟ طبعاً جاء الألبوم بالفرنسية، لكن كل التراث العربي الأندلسي هنا. ابن عربي، ابن ميمون، توما الأكويني... دعوتهم إلى حديقتي. وذهبت بهذه الحديقة إلى غزة حيث حظيت باستقبال رائع”.
في مكان قريب من ساحة جامع الفنا، ولدت دانيال إبغي في كنف والد يهودي يعشق الموسيقى: “كان والدي فناناً أصيلاً متخصصاً في الطرب المغربي الأندلسي، ملمّاً بالعربية وآدابها. كما كان عاشقاً كبيراً لفيروز. كان يفضّلها حتى على أم كلثوم”. هذا الأب الذي ما زال في مراكش اليوم، من يتذكر حفلاته في الخمسينيات وهو يغني “قفطانك محلول آ لا لاَّ، قفطانك محلول”؟ لقد حرص على أن تأخذ صغيرتُه التي تضجّ بالحيوية فرصتها مبكراً في مجال الفن. وتعرّف الجمهور المغربي بها وهي في الثانية عشرة عبر إذاعة “راديو المغرب”. لكن طموح دانيال التي ستصبح “سافو” تيمناً بالشاعرة الاغريقية القديمة كان بلا حدود. في السابعة عشرة سافرت إلى باريس لتدرس المسرح. ثم سرعان ما شدّت رحالها الى نيويورك حيث صارت مغنية روك في فرقة Television الشهيرة آنذاك. وكانت محطتها التالية لندن حيث أصدرت ألبومها الأول “جانيس” Janis. ثم توالت الأسطوانات حتى بلغت اليوم ست عشرة، أي ما يزيد على 150 أغنية أغلبها من تأليفها وتلحينها.
“أمّي، أحب الزعران” هكذا صرخت مرة في إحدى أشهر أغانيها داعية إلى الحب خارج التوافقات الاجتماعية المنافقة: “كنتُ فتاة بوهيمية، وكانت أمي تقلق عليّ كثيراً. لكنني كنت سعيدة جداً. فوضوية ومجنونة ومتصالحة مع ذاتي. وكنت دائماً أجد الحياة جميلة”. غنّت سافو بالفرنسية والاسبانية والعربية، ومنذ العام 1986 تحرص على تأدية “الأطلال” في حفلاتها: “أم كلثوم بالنسبة إليّ تراث مقدّس. ماذا أقول لك عنها؟ فنانة استثنائية بكل المقاييس. تعلمت منها الكثير. أول شيء: الصرامة. فنانة تدقق في كل شيء. تدقق في الكلمات والألحان. أحس اليوم بأن من واجبي تقديم هذه السلطانة لكل من لا يعرفها في الغرب. طبعاً أنا لا أقلّد أم كلثوم. فهذه السيدة العظيمة لا تُقلَّد. أحاول أن أستعيدها بطريقتي الخاصة. وبهذا الشكل ألفت انتباه الجمهور الغربي إلى السحر الخاص الذي يميز الطرب العربي الأصيل”.
سافو تغني باللهجة المغربية أيضاً. غنّت من تراث الشيخات ومن أرشيف الكناوى. وترجمت أغنية ليو فيري “مع الوقت” (Avec le temps) إلى اللهجة المغربية وقدمتها في عدد من حفلاتها الأخيرة.
التقينا سافو قبل سنتين في مدينة لوديف في الجنوب الفرنسي. كانت منكبّة يومها على مراجعة الترجمة المغربية لـ Imagine، أغنية جون لينون الشهيرة. وقالت سافو يومها إنّها ستشرع في التدرّب عليها قريباً. لا نعرف ما إذا كانت قد بدأت “تحلم” بمغربية فصيحة في حفلاتها أم لا. في انتظار ذلك، ها هي تحمل الى بيروت “تراثاً” عريقاً من نوع آخر، هو مدرسة الأغنية الفرنسية متجسدة في أحد عمالقتها: ليو فيري.