حسين بن حمزة
مجموعة «حرير» (دار النهضة العربية) للشاعر المصري عماد فؤاد هي كتاب في الحب. الحب ولا شيء يزيد. الحب ولا شيء ينقص. قصائد الكتاب مكتوبة بسبب الحب ومن أجله. المفردات والصور والابتكارات اللغوية كلها مبذولة في خدمة الحب ومديح ما يصنعه بالبشر. عنوان المجموعة ما هو إلا استدعاء لملمس مفترض ومفضَّل لعلاقة بين جسدين متحابين، أو توق الأجساد المتباعدة إلى الارتواء.
يبدأ عماد فؤاد المجموعة بمدخل يسميه «أول الخيط»: «أعرف رجلاً/ يسأل نفسه كل صباح/ ما الذي يريده رجل من امرأة/ كلما همّت بمسّ حريرها/ أنّت في قلبه/ دودة القزّ». هذا المقطع أشبه باستهلال يدلّ القارئ إلى ما يمكن اعتباره أصل الحكاية. وبعدها يوزّع الشاعر القصائد على أربعة عناوين فرعية هي «حرير جارح»، «حرير ملون»، «حرير خام» و«حرير صافٍ». ثم يختتم المجموعة بمقطع يسميه «آخر الخيط» يرد فيه على سؤال البداية.
يتورّط الشاعر في فكرة الحرير إلى حد يذيّل المجموعة بملاحظة يستبدل فيها فعل الكتابة بـعملية «نسج خيوط الكتاب». لِمَ لا؟ إن كان الـ «حرير» هو عنوان المجموعة نفسها، بينما يعثر القارئ ـــ إضافة إلى الحرير ـــ على كتان وقطن وصوف وقطيفة وساتان ودانتيلا وشراشف وتنانير وقمصان نوم...
الحرير يتحكم بعنوان المجموعة ومناخاتها، إلا أن عماد فؤاد لا يكتفي بذلك. إنه يعرف أنّ الشعر لا يتساوى مع مضمونه وموضوعاته، وأنّ القصيدة تتحقق بمشاغل أخرى تظل على صلة ما بالمضمون لكنّها تُكتب بمواد مختلفة وبطرائق وأساليب متنوعة. هكذا، تنهمك القصيدة بأسرار كتابتها من دون أن تدفع الشاعر إلى التهرب من سطوة الحرير. إنها تُكتب تحت ضوئه الخافت والفاتن.
يتسرب الحب إلى كل قصائد المجموعة، ويُكتب بمشهديات عديدة، ويُروى على ألسنة مختلفة، مثلما هي الحال في مقطع «جنة»: «يوم بكامله/ نتكاسل في سريرنا عريانين/ ها هي الجنة التي طُردنا منها/ لا أنهار مُسكرة تجري من تحت أقدامنا/ ولا نمارق مصفوفة/ لا حور عين كي تغاري/ ولا ولدان مخلّدون كي يفور دمي/ ليس إلا باباً وحيداً/ لا يُدخل أحداً سوانا».
وفي قصيدة أخرى بعنوان «يدها التي في مكمن ضعف»، يكتب الشاعر سيرة مفترضة لـ «عانس» لم تجرب الحب، وينهيها بلمسها لنفسها: «تقرب كفها منه/ بخوف في البداية/ كطفلة تجرب أثر شعلة شمعة/ على يدها الصغيرة/ ثم تدعكها ببطء وخفة/ فتهتز عروش آلهة وأرباب/ تفترض وجودهم في الأعالي». وفي قصيدة أخرى يمكن الحبّ أن يتواصل حتى بين ثياب عاشقين: «تعلقين ملابسنا على حبال شرفتنا/ لا تباعدي كثيراً/ بين بيجامتي/ وقميص نومك الذي أحب».