محمد خير
كان ناجي العلي «الإنسان» من الخطورة بحيث إن ناجي العلي «الفيلم» استدعى حملة شنّتها إحدى الصحف المصرية الرسمية على المخرج عاطف الطيب، لأنّه صنع فيلماً عن الرجل الذي «شتم مصر». هكذا لُخّص رسام الكاريكاتور الفلسطيني الأشهر لأنّه هاجم السادات وكامب ديفيد. لكنّ الطيّب والسيناريست بشير الديك استغلا فرصة تحالف وليد الحسيني صاحب مجلّة «فن» وشركة «إن بي» التي يملكها نور الشريف لصنع فيلم عن الحياة الغنية لمبدع حنظلة.
بدأ تصوير الفيلم عام 1991 وأبهر العديد من المثقفين المصريين ولم يعجب «أهل القضية». لكنه لم يركن إلى الفرضية السهلة: الموساد قتل ناجي، بل ترك المشاهد متردداً بين الصهاينة وأصحاب الكروش الوطنية الملأى بدماء الشهداء.
إنتاج ضخم كلّف مليونين ونصف مليون دولار، واستخدام لمجاميع الكومبارس، مع العناية بالتفاصيل، مثلاً: الجيش الإسرائيلي يطرد الفلسطينيين إلى شاطئ صيدا، وبين الجموع امرأتان تتجادلان لأنّ إحداهما ترفع ملاءة منقوشة، والأخرى مصرّة على أنّ البياض يجب أن يكون نقياً. خلاف له ضرورته بوجود جيش يتسلّى بالقتل. هكذا قتلوا مسناً (محمود مبسوط) لأنه يلعن الدبابات واللغة العربية القبيحة التي تنبعث من مكبّرات الصوت على ألسنة عبرية.
يتحرك ناجي بنشاط، ويخرج إلى الشارع اللندني لا ينتبه لشاب يقترب منه، ترتفع اليد بالمسدس، فيسقط وتنساب أحداث السيناريو (فلاش باك): ناجي طفلاً، النكبة. مخيم عين الحلوة، تجذب رسوماته الأنظار، يسافر. يرى في الخليج عالماً مغايراً، حفلات ونفط وتجار أوطان، النكسة، رجال الأنظمة لا يحتملون كاريكاتوراً صادقاً. في الكويت كان يعمل لكنّهم طردوه «بالذوق». يعود الفيلم إلى لبنان الحرب الأهلية، والعمل في «السفير» ثم الاجتياح الإسرائيلي. يخرج ناجي في إحدى الليالي المشتعلة، يلتقي جندياً مصرياً (محمود الجندي في دور مميز) سكراناً رآه النقاد إشارة للدور المصري المغيّب، يتسائل الجندي: «هي الجيوش العربية هتيجي إمتى؟» يجيب ناجي: «الجيوش العربية مش فاضية»، يرد الجندي: «هي بتحارب في حتة تانية؟». يستعين الطيّب بكتابات ناجي عن نفسه، يقرأها نور الشريف بدور الراوي، يحكي كيف ولد حنظلة: حلم كان ناجي يرى نفسه فيه طفلاً يتأمل الخروج الفلسطيني يديه خلف ظهره... يستيقظ ليجسّد على الورق أيقونته الأشهر.