تعدّ مسألة الجمع أو المزاوجة بين الكتابة باللغتين العربية والفرنسية أمراً عادياً ومقبولاً في العديد من الدول العربية، مشرقاً ومغرباً كتونس والمغرب ولبنان... لكن مسألة اللغة تشكّل مصدر خلاف وتطاحن مزمن بين الكُتّاب والمثقفين في الجزائر، إذ نادراً ما مُدّت جسور الحوار أو الترجمة بين من يكتبون بالعربية والفرنسية، حتى إن الراحل الكبير محمد ديب الذي يعدّ «الأب المؤسس» للأدب المغاربي، لم تُترجم حتى وفاته أيٌّ من أعماله إلى العربية في بلاده، بل لم يُسمح حتى بتوزيع ترجماتها الصادرة في بيروت والقاهرة!بعض كُتّاب الجزائر من «جيل الرواد» ممن لم تتح لهم فرصة تعلم العربية، أثناء الفترة الاستعمارية، وفي السنوات الأولى من استقلال البلاد، تعاملوا مع اللغة الفرنسية بوصفها «غنيمة حرب»، على حد تعبير كاتب ياسين. كان صاحب «نجمة» يردّد: إنني أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين إنني لست فرنسياً! قبل أن يتخلى عن اللغة الفرنسية، مطلع السبعينيات ليتفرغ للتأليف المسرحي بالعامية الجزائريّة. أما مالك حداد فقد اتخذ موقفاً أكثر تراجيدية، مطلقاً مقولته الشهيرة: «اللغة الفرنسية سجني ومنفاي». وقرّر التوقّف عن الكتابة نهائياً حتى وفاته. وكان رشيد بوجدرة الوحيد من «جيل الرواد» الذي خاض تجربة تعلّم العربية والتحوّل إلى الإبداع بها، معلناً توقفه عن الكتابة بالفرنسية عام 1982، قبل أن يعود إليها منتصف التسعينيات، وهو يكتب حالياً أو ينشر أعماله باللغتين.
وهناك نموذج آخر في الجيل اللاحق، يجسده الكاتب محمد القاسمي الذي صرّح ذات مرّة بأنه، إذ يكتب باللغة الفرنسية، قد اختار لغة الحرية ضد لغة الفقهاء والمحظورات... وخلال تسعينيات القرن الماضي، وبالتحديد في الفترة العصيبة التي كان فيها كُتّاب الجزائر ومثقفوها عرضة لرصاص المتطرفين، تراجع الاهتمام بلغة الكتابة، ولم يعد يُنظر إليها كمسألة فارقة أو موضوع خلاف، بقدر ما صار الاهتمام مركّزاً على موقف كل مثقف من التطرف والظلامية. وهو ما مهّد لبروز كُتّاب جدد باللغة الفرنسية، أمثال بوعلام صلصال وياسمينة خضرا، ثم دخول بعض كُتّاب العربية في تجربة الإبداع بالفرنسية أو ترجمة أعمالهم إليها، كما هي حال واسيني الأعرج مثلاً.
لكن أمين الزاوي يُعتبر الوحيد الذي استطاع أن يحقّق بأعماله المكتوبة بالفرنسية، وخصوصاً روايته الأخيرة، مكانة أدبية موازية ــــ بل مضاهية ــــ للمكانة التي حقّقتها كتاباته بالعربية.