strong> إسماعيل طلاي
حينما تمنح الكلمة للإختصاصيين والأكاديميين وحتى العاملين في الصحافة المكتوبة، لتقييم الفضائيات العربية ودورها في التأثير في المجتمعات والثقافة العربية، عادة ما يهطل سيل من الاتهامات والانتقادات للتعبير عن عدم الرضى والسخط. ولكن ماذا عن موقف الإعلاميين والمسؤولين في تلك الفضائيات، هل هم راضون بالضرورة عما يبثونه للمشاهد العربي؟ قبل عشرية كاملة، كان العرب يشكون من غياب فضائيات إعلامية وقنوات اتصال «تُصدِّر» الثقافة العربية إلى باقي شعوب العالم، خصوصاً الغرب، بدافع حذف صور «التخلّف» و»الإرهاب» وغيرها من الصفات «السلبية» التي يردد الكثير من العرب أنها ألصقت بهم «ظلماً» من قبل الإعلام الغربي. ولكن بعد الانتشار المذهل لأكثر من 200 فضائية عربية، هل باتت الصورة اليوم أنقى؟ لم يبتعد النقاش كثيراً عن هذه التساؤلات في المنتدى الذي أقامه المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث في الدوحة أخيراً، وطرح إشكالية «تأثير الفضائيات على الثقافة العربية». وعلى خلاف العادة، لم يقتصر النقاش على محللين، يطلقوا أحكاماً، عادة ما يدخلون فيها الإعلاميين إلى قفص الاتهام، ويخرجون المشاهد بريئاً، فيما تبقى الأنظمة «جانية» وملعونة حتى إشعار آخر.
هذه المرة، قال الإعلاميون كلمتهم، فحاولوا «الدفاع» عن أنفسهم، عبر «نقد ذاتي» على عملهم. وكانت المفاجأة أنهم لم يكونوا راضين عن الفضائيات، فهينمت لغة «الاتهام» على حديثهم! وقد شارك في الندوة حمدي قنديل صاحب برنامج «قلم رصاص» على «دبي»، ومقدمة «الجزيرة» خديجة بن قنة. بدا قنديل، كالعادة، ناقماً على كل ما هو عربي. أحضر معه لائحة طويلة من الأحكام السلبية على الإعلام العربي. ثم عاد إلى انتقاد النظام السياسي في بلده مصر، وما يمارسه على الإعلام من «رقابة»، وهو في ذلك لا يختلف عن باقي الأنظمة العربية. وخلص إلى القول: «في مصر الخمسينيات كان «الإمام» يملك مفاتيح الإذاعة. وهو لا يزال موجوداً حتى الآن، يدير الفضائيات ويتحكم في لوبي المال والإعلانات». ولم يتوان عن التكرار: «أنا لا أؤمن بوجود فضائية عربية واحدة مستقلة. الفضائيات تحولت إلى منبر لتصفية الحسابات السياسية للأنظمة، وهي سبب تدنّي الأخلاق والثقافة العربية بسبب نشر أغاني الجنس». وقد عدّد 215 فضائية عربية تبثّ حالياً، 54 منها فقط فضائيات «إخبارية»، والبقية اختصت في اللهو والترفيه. وختم مداخلته أخيراً بوصف رجال الأعمال العرب المستثمرين في حقل الفضائيات، أنهم لا يعدون أن يكونوا «عقاريين» وجدوا في الفضائيات، مصدر دخل مربح أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية على الدول العربية. من جهتها، سارت خديجة بن قنة في «اتجاه معاكس» تقريباً لحمدي قنديل، إذ فضلت من البداية أن تلبس ثوب المحامي للدفاع عن الفضائيات. اعتبرت الإعلامية الجزائرية أن المشاهد العربي ليس بريئا بالضرورة، «فما من أحد يجبره على مشاهدة برامج معينة. وهو أيضاً «شريك في صياغة مواد الفضائيات من خلال مشاركته أيضاً في البرامج الحوارية»، مؤكدة ان «الإعلام الحر جعل المواطن العربي يطّلع على ما كان محظوراً في البرلمانات مثلاً». وأشارت إلى أن «الفضائيات العربية، وبينها «الجزيرة»، نجحت في كسر الهيمنة الغربية على المعلومة، فلم تعد الأخبار تتدفق من الشمال إلى الجنوب، بل أصبحنا نصدر المعلومة أيضاً». في حديث حمدي قنديل وخديجة بن قنة، وجهة نظر ليست بالضرورة «معبرة» عما يفكر ويؤمن به كل الإعلاميين والقائمين على الفضائيات العربية. لكن عدم الرضى شيء، والقدرة على التغيير شيء آخر. وإلا فما الذي يبقى قنديل في قناة يعترف مسبقاً أنها ليست «حرة» ولا «مستقلة»؟